والمواجهة مع إيران لها جانب معجل والآخر مؤجل فالجانب المعجل منها هو ما نشهده اليوم عن طريق عملاء النظام الإيراني ووكلائه، والمؤجل هو المواجهة معه بشكل مباشر، وإذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه فالمواجهة ليست ببعيدة، واستعداداته لما هو قادم على أشدها، وتجري على قدم وساق على مستوى الأسلحة التقليدية وما فوق التقليدية والنووية، كما يمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية والأطراف العربية تلهث وراء خداع الحلفاء وسراب وعود الأصدقاء.
والتهديد الصفوي للأمن القومي العربي متمم ومكمل للتهديد الصهيوني، إذ إن الصفوية تخدم الصهيونية في المنطقة، وهي أداة من أدواتها، وفائدة ما يجري في المنطقة ويحصل فيها من تصارع نفوذ وتعارض سياسات وتصادم إيرادات يجنيها المخدوم وليس الخادم، ورغم أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المحورية، وهي مصدر التهديد الأول للأمن القومي العربي إلا أن نظام الملالي كشف عن وجهه القبيح وعمالته الصهيونية وخدمته لقوى الشر العالمية ضد الأمة العربية والإٍسلامية، ومواجهة التهديد الايراني الذي أصبح يشكل الخطر الأول على المنطقة يصب في صالح القضية الفلسطينية، حيث إن دحر المد الصفوي هو دحر لمشروع إسرائيل الكبرى والدولة اليهودية.
والأمن الاجتماعي هو أحد مكونات الأمن الوطني والقومي، وينعته البعض بالأمن الداخلي حسب مفهوم الأمن القطري الضيق، وذلك لكونه يهتم بأمن المواطن في الداخل، في حين يهتم الأمن العسكري في مواجهة التهديد من الخارج، والمقصود بهذا المصطلح هو البعد العسكري أحد أبعاد الأمن الوطني والقومي، وليس كما يفهم العسكريون بأنها من القوات العسكرية ذاتها، وتسلسل الأمن الاجتماعي بموجب الأهمية والاهتمام يأتي بعد الأمن العسكري ويتزامن معه تبعاً للحالة والموقف، بوصف مفهوم الأمن الوطني والقومي هو مفهوم اجتماعي من حيث محتواه ومضمونه، وإذا ما تجرّد عن هذا المحتوى الاجتماعي فقد معناه الأمني ومضمونه الوطني والقومي، ومهما اتسمت به العوامل الخارجية من أهمية بسبب تأثيرها أو التأثر بها في عملية تماسك المجتمع والمحافظة على أمنه والنظر إليها بأنها ذات طابع متغير، فإن تجاهل العوامل الداخلية المرتبطة بالأمن الوطني والقومي يقوّض هذا الأمن من أساسه، إذ إن الأمن الاجتماعي يترتب عليه ترسيخ الانتماء بمفهومه العام والخاص، وما يعنيه ذلك من الاندماج الوطني والقومي، وهذا الاندماج من أهم المكونات الأمنية.
ومن هذا المنطلق فإن تماسك الجبهة الداخلية والاندماج بين شرائح المجتمع والتلازم بين الانتماءات الدينية والوطنية والقومية وصدق الانتماء إلى الأرض، يتطلب من الدولة مثلما تُطالب المواطن بما عليه من واجبات وحقوق أن توفر له حقوقه واستحقاقاته - وهي تفعل ذلك- دون أن يكون ذلك على شكل مقايضة أو الربط بين ماله وما عليه بصورة تجعل منه يربط بين المكافأة والعمل مع الاهتمام بالتنمية الشاملة وتحقيق مستوى متقدم من العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين وفقاً للفروق الفردية بينهم، وإذابة الفوارق الطبقية والاجتماعية وكذلك توفير حقوق المواطن الأساسية واستحقاقاته الوطنية التي تمكنه من العمل والتعليم والعلاج والسكن، وتعمل على رفع مستوي معيشته ودخله الفردي.
وكما تجري المطالبة بأمن المجتمع وتحقيق مطالبه المادية والمعنوية فإن الطرف الآخر لهذه المطالبة يكمن في التفاف المجتمع حول قيادته والتلاحم فيما بينه وبين هذه القيادة ضمن نظام الدولة ومؤسساتها التي تنظم حركة المجتمع وتؤمِّن حاجاته الاساسية، وما يفضي إليه ذلك من تحقيق أمنه الاجتماعي بشقيه الفردي والجماعي بالصيغة التي تضمن بناء هذا الأمن وتكفل حمياته واستمراره وقدرته على التكيف مع المستجدات الحاضرة والمنتظرة.
والرؤية التي تبنتها المملكة ينصب تركيزها على الجانب الاقتصادي من خلال التأكيد على تحقيق التنمية بنسبة عالية من الاعتماد على الذات، وتقليل الاعتماد على الخارج إلى الحد الأدنى، وهو أمر قد يحصل في حال عدم غياب الصناعة والتصنيع، وبالتحديد الصناعة العسكرية على نحو يُمكِّن من استغلال الطاقات الموجودة والبحث عن البدائل المفقودة في سبيل الوصول إلى مستوى مناسب من الإنتاج العسكري الذي يوفر قدراً من الاكتفاء الذاتي بعيداً عن الارتهان للخارج وخاصة في وقت الحرب.
وحسن استثمار المشتقات النفطية ومصادر الطاقة دون الاعتماد على مصدر بعينه يعتبر ذلك هو السبيل إلى التحول من دولة مستهلكة إلى دولة منتجة، شريطة أن يرتفع مستوى الاداء الاقتصادي بفضل ارتفاع مستوى التقنيات المستخدمة القائمة على المهارات التقنية والمعلوماتية مع الاستفادة القصوى من مصادر الدخل المنظورة وغير المنظورة.
والأمن السياسي هو أحد متغيرات الأمن الوطني والقومي وهو متلازم مع المكونات الأخرى تلازم ضرورة لكون وجوده يخدمها، ولا غنى لأي منها عن الآخر، وكل ما زادت أهمية المتغير الأمني والاهتمام به زادت أهمية السياسة والاهتمام بها في تناسب طردي مع ذلك المتغير الذي يكون في بعض الحالات امتداد لها والأولوية التي يحظى بها أي متغير من هذه المتغيرات يمتد ظلها إلى السياسية التي تؤثر فيها وتتأثر بها.
وقمين بالأمن الفكري أن يكون على درجة عظيمة من الأهمية والاهتمام لمواجهة حرب الافكار، وما يدور في فلكها من فكر ضال، يهدف أصحابه إلى تشويه الإسلام واستهداف المسلمين في الانتماء والهوية، بشكل بات يهدد الثقافة العربية والإسلامية، ويجعل منها مصدراً للإرهاب عن طريق وصمها بالعنف والتطرف، وبالتالي تشويه صورة الإسلام والإساءة إلى المسلمين، واتخاذ ذلك غطاء لتمرير مخططات مبيّته وتبرير ممارسات ظالمة، كما تؤكده الأحداث الجارية التي يشترك في تخطيطها وتنفيذها رعاة الإرهاب وأدواته من الغرب والشرق.
وحتى يكون الاهتمام مثمراً، لابد من محاربة الفكر بالفكر ومقارعة الحجة بالحجة وصياغة الخطاب الديني والخطاب الإعلامي على النحو الذي يحافظ على الثوابت والمرجعيات، وترسيخ القيم والمثل التي تشكل المخزون والعمق الحضاري لهذه الثواب والمرجعيات في بيئة من الاعتدال والوسطية والتسامح دون التفريط في حق أو التجاوز إلى باطل.
وفي الختام، فإنه ومنذ استهلاك المقالة وحتى خاتمتها تعمّدت الربط بين مفهوم الأمن الوطني أو ما يطلق عليه الامن القطري وبين الأمن القومي الذي يقصد منه أمن الأمة العربية، ومبعث ذلك أن أي قطر بمفرده لن يقوم لأمنه قائمة في معزل عن أمن الأمة العربية، الأمر الذي يتطلب العمل الجماعي والاتفاق على مّنْ هو العدو ومن هو الصديق والنظر إلى مفهوم الأمن القومي نظرة شاملة ومتكاملة لجميع أبعاده ولزومياته الأساسية وشروطه الموضوعية.