د. حسن بن فهد الهويمل
مشاعر الحج، وشعائره، يمارسها المسلمون كافة من خلال علاقة ثنائية بين العبد، وربه. ومن أرادها لغير ذلك، لا يكون معظمًا لشعائر الله: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
ذلك أن كل حاج يحمل همومه القومية، ومشاعره الوطنية، وانتماءاته الدينية، وأولويات أمته. ولو أتيح لكل حاج التعبير عما يعتمل في نفسه، لتحوَّل الحج إلى:
مَلاعِبِ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا
سُلَيْمَانُ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ
و[المملكة العربية السعودية] حين توجه الحجيج إلى أداء المناسك التي أقرّها فقهاء الأمة عند كل المذاهب المعتبرة، فإنما تريد تمكين كل حاج من أداء حجه في أجواء أخوية، تُقَوِّي أواصر المودة بين أهل القبلة من عرب، وعجم، وملل، ونحل. ولكن الدول الانقلابية المفلسة من كل القيم، الخاوية من كل معرفة، تغطي هزائمها، وانتكاساتها بما تثيره من تحرشات صبيانية.
وما تفعله [إيران] لا يختلف عمّا سبق أن تعرضت له المملكة مع المد [القومي، الاشتراكي، الناصري]، حين زج بشعيرة الحج في لجج الخلافات السياسية.
ولما أزل أذكر [الباخرة] المصرية التي وقفت قُبَالة موانئ المملكة، ولوَّح القادمون عليها من رجال المخابرات بأيديهم، يهتفون بحياة الرئيس، ويحمِّلون المملكة كافة المسؤولية عن منعهم من أداء شعائرهم.
وهي لعبة غبيّة، أريد منها توهين عزمات المملكة، وتشويه سمعتها.
و[إيران] بكل غبائها، واستدراج اللاعبين لها، تمارس ببلاهة معتَّقة الدور نفسه، وتحاول تجييش الرأي العام العالمي على [المملكة]، موهِمَة أن المملكة تتحكم بالشعيرة الإسلامية.
وفاتها أن [المملكة] التي أعطت بلا منٍّ، وهيأت المشاعر بلا أذى، وطهرتها للطائفين، والعاكفين، والركع السجود. وأنفقت على المشاعر كلها ما لو أنفقته على مُدُنِها، وقراها، لكانت جنة الله في أرضه.
وسخاء الدولة على المشاعر، يَعْضُدُه المواطن السعودي، فهو لا يتردد في مراجعة أي إنفاق على أي مشروع وطني، ولا يجد غضاضة في مساءلة [الحكومة]، واستعداء [الدولة]. أما فيما يخص الإنفاق على المشاعر، فإنه يسعد به، كما لو كان ما ينفق في جيبه.
وهي بكل ما تقدمه لضيوف الرحمن، لمَّا تزل عند حسن ظن الأمة الإسلامية، ومحل إكبارها، وتقديرها.
وكيف لا تملك ذلك، وكل الدول الإسلامية رضيت بترتيباتها الوقائية، وَوَقَّع ممثلوها على ذلك!
وتصعيد [إيران] متوقع، فهي في كل عام تنوع الشغب، بإيذاء الحجيج، وكل محاولاتها يائسة بائسة، أفشلتها أمام الرأي العام العالمي.
وخدم بيت الله أمام الاستفزازات المتلاحقة يتوخون الدفع بالتي هي أحسن، أملًا في أن يرعوي حكام [إيران]، ويعودوا إلى رشدهم. فكل تعدياتهم موثقة بالصوت، والصورة. ففي الأعوام [2015/1990/1989/1987/1983] اقترفت [إيران] خطيئات إدَّا، {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}. وفي كل اعتداء تُسْتكمل الوثائق، ويُدفعُ بها إلى كافة المنظمات، والمحافل، والمؤتمرات الإسلامية، والعالمية.
- فهل من مدكر؟.
[إيران] لمَّا تزل تَعمهُ في غَيِّها، وتُدْمن تحرشاتها. ففي هذا العام، بعد فشلها في كافة مغامراتها المسيئة لضيوف الرحمن، صَعَّدت الخلاف مع المملكة حول ضوابط الحج، ومتطلباته، التي قَبِلَ بها ممثلو العالم الإسلامي.
لقد أصرّت على رأيها، واستكبرت في حوارها، لتضطر المملكة إلى اتخاذ هذا الموقف، حفاظًا على سيادتها، وأمن مشاعرها. والمملكة احترامًا للمسلمين الإيرانيين المغلوبين على أمرهم، تعطي التنازلات التي توحي للأغبياء أنها نتيجة ضعف، وخوف. وما هي إلا امتثالًا للتوجيه الرباني: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}.
وهي إذ اختارت التصعيد، وجدت نفسها أمام طريق مسدود، فوت على شعبها أداء مناسكهم المتاحة لهم، فيما استقبلت المملكة [إيرانيي الشتات] بكل التسهيلات.
وأمام هذا المكر السَّيء، أشعلت [منظمة الحج والزيارات الإيرانية] الآفاق الإعلامية، ظنًا منها أنها ستكسب الجولة، وتحفظ ماء الوجه.
[المملكة] التي بذلت أوفر الأموال، وسخرت كل الجهود، وحشدت آلاف العاملين في مختلف المهمات، وهيأت المشاعر، وأشاعت الأمن، ووفرت الغذاء، وعممت العلاج لكافة ضيوف الرحمن، لا يمكن أن تبخل على حجاج [إيران]، لو جنحوا للِسِّلم.
المواطن السعودي بوصفه ظهيرًا لقادته، لا يسمح لأي دولة مهما كانت أن تسيس الحج. ودولته أول من يمتثل هذه الرؤية.
إن بامكان [المملكة] تسييس الحج للوقيعة بـ [إيران]، ولكنها لم تفعل، ولن تفعل. لقد دخلنا في حروب، وخلافات مع دول مجاورة، وغير مجاورة، ولم يلجأ أحد إلى تسييس الحج.
لأن كل من اقترف خطيئة التسييس، مُعَرَّضٌ لآية الوعيد: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
فالمشاعر للعبادة، ولمناجاة الله، والتقرب إليه، والتعرض لنفحاته، وليست لتصفية الحسابات الدنيوية الدنيئة.
ويقيني أن [إيران] بهذا المقترف الخطير، تبدأ العد التنازلي، لأنها تدخل في مواجهة مع الله. ومع تكرار المقترفات، فقد تركت المملكة الأبواب مفتوحة لكل أوَّاب، وأعطت التنازلات، لتمكين الأبرياء من الحج.
وما تفعله لا يعد خوفًا، ولا استرضاء، ولكنه استبراء للذمة، ووفاء بالعهد الذي أخذته على نفسها، بتطهير بيت الله لكل مسلم يشهد (ألا إله إلا الله).
ما أوده في لُجَّة التَّصْعيد، تطمين الوجلين {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}. فـ [إيران] في كل تحدياتها، وتدخلاتها تواجه بشرًا مثلها، وإن كانوا يرجون من الله ما لا ترجوه. وهي بظلمها، وإلحادها في الحج إنما تحارب الله.
إن من حق المملكة اتخاذ كافة الوسائل، لأمن الحجاج، وسلامتهم، لمسؤوليتها المباشرة. وواجب العالم الإسلامي تمكينها من ممارسة حقها المشروع، والتصدي لمن {يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}.