د. عبدالواحد الحميد
فرض الله الحج إلى بيته على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا. وقد يمر العمر دون أن يستطيع ملايين المسلمين أداء هذه الفريضة بسبب ضيق ذات اليد أو المرض أو مشاغل الحياة، أما من يوفقه الله لأدائها فإنَّ غاية ما يتمناه ويتطلع إليه هو ألاَّ يحدث ما يعكر صفاء وجمال رحلة العمر، وأن تتهيأ له الأجواء الروحانية التي يتسامى فيها بمشاعره إلى أقصى درجات الخشوع، ثم يعود إلى بلاده سالماً غانماً وسعيداً ومتفائلاً بأن المولى قد تقبل برحمته صالح عمله.
فالحاج الذي يأتي إلى الديار المقدسة ويتكبد المشاق وقد يستدين لكي يجمع تكاليف الرحلة أو ينفق كل ما ادخره على مدى سنوات طويلة لا تهمه المماحكات والألاعيب السياسية والتوظيف غير الديني للحج على النحو الذي تقوم به الحكومة الإيرانية، فهو أتى إلى الحج لغرض واحد لا غير وهو أداء فريضة دينية محددة ثم العودة من حيث أتى.
أما حكومة إيران فهي تريد تحويل الحج إلى مظاهرة سياسية صاخبة تُرفع فيها صور فلان وعلان من رموز الدولة الإيرانية، وإذا ما أدَّى ذلك إلى حوادث مميتة وتدافع وجرحى وفوضى عارمة فذلك غير مهم، بل ربما هو مرغوب به في حسابات الحكومة الإيرانية لأنّها حينها سوف تتهم السلطات السعودية بالتقصير في حماية أرواح الحجيج وتجيِّش إعلامها وأبواقها لمهاجمة السعودية.
أما السعودية فتدرك، من جانبها، أن من حق الحجيج عليها أن تبذل أقصى ما بوسعها كي تؤمِّن الظروف الملائمة لأداء هذه المناسبة الدينية. ومن أجل ذلك فقد أنفقت مليارات الريالات في إنشاء المرافق وتقديم الخدمات، وهي تدرك أيضاً أن شعيرة الحج تختلف عن أي واجب ديني آخر فهي الشعيرة التي يؤديها ملايين البشر في زمان محدد ومكان محدد، وهؤلاء الملايين القادمون من مشارق الأرض ومغاربها فيهم المريض والطاعن في السن والطفل الصَّغير وكل الأطياف العمرية والثقافية.
من أجل ذلك رفضت وترفض السعودية هذا الابتزاز الذي تمارسه حكومة إيران. فالحجاج الإيرانيون، كغيرهم من الحجاج، لا يمكن منحهم امتيازات خاصة، وهم محل الترحيب إذا كانوا يرغبون بأداء فريضة الحج فعلاً أما إن كانوا يجيئون إلى المشاعر المقدسة من أجل إقامة المظاهرات وتعكير صفو وسلامة الحجاج الآخرين فلا وألف لا، فالأحرى بهم إقامة مظاهراتهم وعبثهم في ميادين طهران إن رغبوا في ذلك.
وقد عرضت السعودية على الحكومة الإيرانية من خلال اجتماعات تمت بين وزارة الحج والعمرة ووفد منظمة الحج الإيرانية ترتيبات قدوم حجاج إيران لكن الإيرانيين رفضوا التوقيع على محاضر الاجتماعات وأصروا على ترتيبات خاصة بهم تختلف عن بقية الحجاج.
يدرك كل منصف أن ما قامت به السعودية هو الإجراء المناسب ولا يمكن لأحد أن يزايد عليها في كل ما يتعلق بنجاح موسم الحج فهي الأحرص على ذلك من غيرها، أما من يريد حجاً «مُفصّلاً» على مقاساته السياسية غير الدينية فإنَّ السعودية لا تملك ترف تلبية ذلك، وإلا تحول الحج إلى معركة دامية بين المسلمين من مختلف التيارات والميول السياسية.