عبده الأسمري
عندما يجتمع العلم مع الموهبة الربانية وحينما تتسع الفطرة الإلهية لتكون نعمة باتساع الأفق تتشكل «السماحة» الدينية وتتكون «الفصاحة» الإنسانية لتتآزر مع مسيرة من «الجهاد المعرفي» و»العتاد الشرعي» حينها سنكون أمام شخصية فريدة تتولى أعلى درجة في الرأي والفصل بمنطق الحق واستنطاق الشريعة لتشكل حكماً وتكون فتوى.
إنه مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ سليل الأسرة الشهيرة بالعلم والفضل الولادة بالعلماء والمشايخ الوقادة بالمفكرين والمؤثرين الخالدة في سجلات الوطن بالنماء والعطاء الغادقة بشخصيات تصنع «الفارق».
بوجه يحمل ملامح «أبوية» وتفاصيل «حانية» وصوت تطغى عليه لهجة فصحى تشربها من كتب العلوم الدينية ولكنة جهورية اكتسبها من منابر العلم وتعلمها من كتاتيب «عباقرة العلم الشرعي» في السبعينيات بنجد ومكة يطل الشيخ عبدالعزيز بشخصية متزنة تصنع الفتوى بلغة محددة تسبقها بآية وتختتمها بحديث وتتوسطها بنصائح عابرة تجعل الأقلام تتسارع لاعتمادها حكماً دنيوية مختلطة بمنطلقات دينية.
بسحنة مألوفة وكاريزما أليفة ونبع من التواضع المسجوع بالطيبة يشع ارتياحاً على السائل وينثر أملاً لدى طالب العلم ويسطع أمنيات أمام باغي الخير يتواصل بلغة فاخرة تختصر الإجابة وتقتصر النهايات بعبارات محددة يعلوها صوت القرآن ويحيط بها صدى الحديث الشريف وتنهيها اعتبارات من الإجماع والاجتهاد.
في أم القرى جال صغيراً فلمست روحه طهر المكان وروحانية الزمان تجرع «اليتم» باكرا فتشكلت لديه دافعية العلم وتكونت في فكره الغض المشبع بالموهبة الممتلئ بالمهارة الفريدة أهمية المرحلة ومرحلة الأهمية. واضعا من رحيل والده منهجاً افتراضياً وأمانة حاضرة ووصايا نصح ابدي.
ناهلا من وجود والدته وقود مرحلة واتقاد أمنيات اشتعلت في قلبه فأحب العلم واتقدت في فكره فعشق المعرفة.
تربى بين أسرة حولت التربية إلى معرفة سلوكية وبلورت الأدب الأسري إلى «منهج شرعي قويم لا يعترف إلا بفضل الشهادات ونبل المقامات» كان طفلا يسمع من والدته وأقاربه مسيرة العلم وسيرة العلماء تحيط به وتنثر أمام دربه اضاءات من الأمنيات، حفظ القرآن وهو طفل وقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية كتاب التوحيد والأصول الثلاثة والأربعين النووية كما قرأ على الشيخ عبد العزيز بن باز الفرائض وقرأ على الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد الفرائض والنحو والتوحيد وقرأ على الشيخ عبد العزيز الشثري عمدة الأحكام وزاد المستقنع، وفي عام 1374هـ التحق بمعهد إمام الدعوة العلمي بالرياض، ثم تخرج منه والتحق بكلية الشريعة ونال الليسانس في العلوم الشرعية واللغة العربية ورغم فقدانه للبصر إلا أن بصيرة عميقة وتبصرا أعمق دفعه لأعلى المراتب حيث عين مدرسا في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض حتى عام 1392 هـ، وانتقل إلى كلية الشريعة بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث كان يعمل أستاذاً مشاركا فيها ومشرفا ومناقشا لرسائل الماجستير والدكتوراه في كل من كلية الشريعة، وأصول الدين، والمعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكلية الشريعة التابعة لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بالإضافة إلى التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض، عين عضوا متفرغا في اللجنة الدائمة للإفتاء وإماما وخطيبا لجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض وفي عام 1416 عين نائب لمفتي عام المملكة ثم مفتيا عاما في 1420 وحتى الآن ورئيسا لهيئة كبار العلماء إضافة إلى العديد من العضويات والمهام المختلفة.
تشرب من المحيط العائلي «محبة العلم ومجالسة العلماء» فجلس كثيرا أمام جهابذة علم يرتوي من نبع فكرهم الشريعة ويروي ظمأ غروره المعرفي بأمهات الكتب في التوحيد والفقه والحديث والتفسير.
الشيخ ورغم مهامه الجسام المتعددة من العمل والذي يمتد إلى ساعات طويلة وتنقل بين أكثر من موقع نراه يطل فضائياً تارة ويفتح مكاتبه وهواتفه للعامة قبل الخاصة دوماً لإفتاء السائلين وإجابة المستفسرين وغوث الملهوفين وعون الضعفاء، لذا فشخصيته خليط من الإفتاء والوفاء وشخصه توليفة من العطاء والسخاء الديني العلمي والإنساني والوطني في آن واحد.