فقلت له: يا سيدي أنا هنا قد حضرت لبلادكم في رحلة سياحة لأتعرف على ثقافتكم وبلادكم الجميلة، فقال لي: لا أخفيك أمراً فلقد قلت لماري إذا كان السيد سلمان قد جاء من أجل الدراسة ويريد أن يسكن مع عائلة فلا مانع لدي أن يأتي ويسكن معنا في بيتنا فقلت له: شكراً لك يا سيدي على هذه الثقة الغالية، ثم قال لي: لقد كانت لدينا صورة قاتمة عن السعودية كبلد وشعب بسبب الإعلام لدينا، والذي كان يصور دولتكم على أنها متخلفة عبارة عن صحراء قاحلة، وأن السعودي ساكن في خيمة وبجانبها جمل وبئر نفط والمرأة على الهامش، ولقد تغيرت نظرتنا لكم منذ عدة سنوات حيث سبق وأن سكن معنا في هذا البيت بعض الطلبة والأزواج السعوديين والذي جاؤوا إلى هنا من أجل الدراسة، حيث تعرفنا فيها من خلالهم عن التطور التقني والعمراني الذي يحدث في السعودية بشكل شامل، ولقد كانت ميزة هؤلاء الطلبة عن غيرهم من الطلبة الأجانب بأنهم كانوا محافظين على فروضهم الدينية مثل الصلاة والصوم ولقد كنا نمتنع عن تناول الطعام أمامهم احتراماً منا لدينهم ولمشاعرهم، كما كنا نؤخر الوجبات لتتناسب مع صيامهم والسبب لأنهم يحترمون خصوصيتنا، لذا كان لابد من احترام خصوصيتهم، فأنتم لديكم دين عظيم وبلاد همها التطوير والاستثمار في شبابها، ولقد عرفنا أيضاً من الطالبات بأن المرأة لها دور هناك في المجتمع حيث تعمل في التعليم والمستشفيات كدكتورة وممرضة ووصلت لعدة مناصب ومنهن قد وصلن كعضوات في مجلس الشورى والمجالس البلدية والسماح لها بمزاولة التجارة واعطائهن الفرصة في التعليم الجامعي وفي الابتعاث، ولكن هذه الصورة المشرقة تحتاج إلى عمل كبير في الإعلام لديكم لتعريف العالم بالتقدم الذي يحدث عندكم من خلال القنوات الفضائية والصحف بعدة لغات حتى تتغير الصورة الضبابية عنكم، فقلت له يا سيدي لقد وفرت علي الكثير مما كنت سأقوله لك عن وطني وديني بسبب سعة اطلاعك وثقافتك الواسعة وإنصافك عن هؤلاء الشباب المبتعثين لديكم ولدى دول أخرى مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا واليابان والصين والهند وغيرهم من الدول والذين استطاعوا أن يغيروا الصورة السلبية عن السعودية والشباب السعودي بسبب محافظتهم على دينهم وعاداتهم وتفوقهم في دراستهم للعودة بعد ذلك للوطن غانمين محملين بالشهادات العليا للمساهمة في البناء والتنمية وتطوير وطنهم وللرفع من شان أمتهم، ثم سألني والد ماري: هل لديك الوقت الكافي لتذهب منا لفترة في بعض الأماكن للنزهة؟ فقلت له: شكراً لك يا سيدي على اهتمامك بي، وأتمنى ذلك ولكن موعد سفري غداً ثم جاءت أم ماري وقالت لي تفضل يا سيد سلمان الغداء جاهز، ثم توجهنا لصالة الطعام حيث كانت مزينة بالرخام وبلوحات جميلة شدني النظر إليها، فقال أبو ماري: واضح بأنك تحب الرسم والفن يا سيد سلمان، فقلت له: نعم. فقال: إذا زرتنا مرة أخرى سنذهب إلى متحف لأجعلك ترى اللوحات الجميلة ونذهب للمسرح والسينما والأوبرا، فقلت له: أعدك بذلك إذا زرت أمريكا مرة أخرى.
وحينما وصلنا لطاولة الطعام كانت طويلة وعليها شمعدانات فضية مضيئة بالشمع وأكواب وصحون جميلة والشوك والملاعق الفضية والمناديل الجميلة، ثم أجلستني ماري بالقرب من والدها، ثم جلست بجانبي حيث كانت أم ماري قد أعدت ديكاً رومياً وبعض الحساء والرز والسلطات، وبعد أن فرغنا من الغذاء قال والد ماري: ما رأيك بأن نجلس في الحديقه فالجو جميل الآن، فقلت له: ما عندي مانع، ثم جاءنا الشاي وتحدثنا قليلاً عن الانتخابات الامريكية وما يحدث في الشرق الأوسط بسبب الاقتتال الطائفي والذي بلا شك لا يجلب إلا الدمار والموت بسبب التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ثم استأذنت أبو ماري وشكرته على الدعوة ثم قالت لي أم ماري: نحن نشكرك على تلبيتك لدعوتنا وأتمنى أن يكون الغداء قد حاز على رضاك فقلت لها: نعم إنه جميل ولذيذ ياأم ماري وسلمت يداك، ثم قالوا لي: نتمنى أن تزورنا وتتواصل معنا وأن لا تكون هذه الزيارة الأخيرة فقط، فقلت لهم: أعدكم بذلك فإذا زرت أمريكا سأزوركم إن شاء الله، ثم قلت لهم: لن أقول لكم وداعاً ولكن إلى اللقاء، ثم خرجت من عند الباب وكانوا جميعهم في توديعي، وأصرت ماري على أن توصلني إلى الفندق، وعندما أوصلتني للفندق وهممت بالنزول قبلتني فجأة ثم أخرجت كرتاً وقالت: هذا كرتي فيه رقم جوالي وإيميلي ومقر عملي من أجل أن نتواصل معاً. فقلت لها: أعدك بذلك وإلى اللقاء يا سيدتي، ولقد كان تعطل سيارتك فرصة للتعرف عليك وعلى عائلتك الكريمة ثم ضحكت وقالت: صحيح رب ضارة نافعة مع السلامة يا سيدي، ولوحت لها بالتوديع ولوحت لي والدموع في عينيها، ثم دخلت الفندق وأخذت المفتاح من موظف الاستقبال وصعدت لجناحي وغيرت ملابسي، ثم جلست على الأريكة أتفكر في تلك اللحظات التي قضيتها مع عائلة ماري ثم أخذتني غفوة ولم أدر إلا بزوجتي توقظني، وتقول: سلمان قم لقد تأخرت عن عملك، فنظرت فإذا الساعة السابعة فتحركت وأخذت الفوطة وماكينة الحلاقة فغسلت وجهي وحلقت وتعطرت وأخذت إفطاراً عاجلاً مع كوب من القهوة وتوجهت إلى عملي ماراً ببعض المشاريع التي تنفذ ومن ضمنها المركز المالي ومترو الرياض وأنا أقول: الحمد لله إني بخير ووطني بخير وتقدم ونعمة وأمن وأمان.