ومما لا يرقى إليه الجدل أن عاصفة الحزم لم يكن مرضيّاً عنها من قِبَل بعض الأطراف الدولية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، وتطور عدم الرضا إلى وقوف هذه الأطراف ضد عملية الحسم العسكري والمناداة بالحل السياسي، والإصرار على النظر إلى الحركة الحوثية بأنها مكون سياسي، مما أفضى إلى محادثات الكويت العبثية، وما شابها من تدليل ممقوت لوفد الحوثيين والمخلوع بصورة يتضح منها أن وراء الأكمة ما وراءها بما في ذلك محاولة الربط بين ما يحدث في اليمن وقضايا المنطقة الأخرى، مع الالتفاف على القرار الأممي بهدف تفريغه من محتواه وإفساد مضمونه على نحو يدل على خبث النية وسوء الطوية عند بعض الأطراف الموقعة على القرار.
وعلى ضوء هذا التواطؤ المكشوف من قبل المنظمة الدولية ومن يسيطر عليها من أعضاء مجلس الأمن، وأحجام هذا المجلس عن تنفيذ قراره، لم يبق أمام اليمنيين إلا التوحد مع القيادة الشرعية والانضمام إلى صفوف القوة الوطنية والمقاومة الشعبية للذب عن عرضهم وتطهير أرضهم من رجس الحوثيين ودرن المخلوع والتخلص من هذا الوباء الخطير الذي يتربص باليمن وأهله، الذي من ضمن أهدافه الاستقواء بالأجنبي وتمكين المد الصفوي والزحف الرافضي من إيجاد قاعدة ينطلق منها المشروع الفارسي عبر الجزيرة العربية والخليج توطئة لتحول القوس الشيعي إلى دائرة والهلال إلى بدر على حساب الوجود العربي والأمن القومي للأمة العربية.
ومن أجل تصحيح أخطاء الفترة الماضية على المستويين الخاص والعام بالنسبة لليمنيين فإن الأمر يتطلب عسكرياً أن تتم عسكرة وإعادة هيكلة القوات العسكرية اليمنية على أسس صحيحة وقواعد سليمة، بالإضافة إلى ضم المقاومة إليها، وتزويدها بما تحتاج إليه من السلاح والعتاد والاهتمام بمطالبها العملياتية والإدارية واللوجستية، بما في ذلك تطعيمها للمعركة من خلال التدريب الفردي والجماعي وتنمية الانضباط العسكري وروح الفريق، وكذلك العمل على رفع المعنويات وإحياء شرف المهنة واحترام أسلحتها ولباسها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها وإعادة غرس ذلك في نفوس العسكريين المعادين إلى الخدمة مع تعهد الكفاءة العسكرية والقتالية وتوحيد القيادات والتنسيق فيما بينها، ومواجهة الخصم باستخدام التكتيكات التي يستخدمها وبالتحديد تكتيكات الحروب الخاصة مثل: حرب العصابات والحرب الجبلية ومقايضة الزمان بالمكان... إلخ.
أما على المستوى العام فيتحتم أن يعمل الجميع على إخلاص النوايا وإحلال الإيثار محل الأثرة وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية واعتبار الانتماءات الدينية والوطنية والقومية فوق كل اعتبار مع العمل على تلاحم شرائح المجتمع وتماسك الجبهة الداخلية وتحديد الخط الفاصل بين حدود مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ونبذ الخلافات الجانبية وكل ما من شأنه اضعاف الروح المعنوية، كما يلزم محاربة الفساد ومواجهة إعلام العدو بإعلام يحترم شرف المهنة، ويجيد دحض الشائعات بالحقائق، وتفنيد الدعاية الكاذبة والمضللة بالخبر المُفحم والمعلومة المقنعة، مركزاً على ما يصب في صالح المجهود الحربي ويخدم قضايا الأمة.
ودول التحالف العربي بقيادة المملكة لم تدع وسيلة مشروعة إلا استخدمتها لنصرة الشعب اليمني ورفع الظلم عنه وإعادة الاعتبار إلى حكومة اليمن الشرعية بعد أن انقلب عليها الحوثيون، واغتصبوا السلطة، واستباحوا حرمة الدولة، وجعلوا من أرض اليمن مسرحاً للسلب والنهب والقتل والتدمير بالإضافة إلى الاعتداء على حدود المملكة وتهديد أمن الجزيرة العربية والخليج والأمن القومي العربي.
والمبررات الدينية والأخلاقية والقانونية والسياسية التي تستند إليها دول التحالف العربي في تعاملها مع الأزمة اليمنية والمرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية التي تنطلق من هذه المبررات وتدعمها، والأموال الطائلة التي أنفقتها المملكة سواء عبر قنوات الحكومة الشرعية أو عن طريق برامج إعادة الأمل والمنظمات الدولية المختصة، كل هذه المعطيات لم تطرح ثمارها ولم تؤت أكلها كما ينبغي، وذلك في التسريع بوقف نزيف الدم وحل الأزمة، ومرد ذلك يعود إلى تدخلات أجنبية وأخطاء داخلية.
وتهديد الأمن الذي تتعرض له حدود المملكة مع العراق وتطوراته المنتظرة، يماثل من حيث أولوية الاهتمام وأسبقية الأهمية الحدود مع اليمن باعتبار التهديد متشابه ومصدره واحد وإن اختلف الوكلاء، وتأمين الحدود، وتوفير القوات العسكرية اللازمة لذلك يمثل ضرورة ملحة، طالما الاعتداء الخارجي قائماً، والمؤجل مرتبط بالمعجل وصمام الأمان لهذا التهديد هو الأمن العسكري الذي هو البعد الأول من أبعاد الأمن الوطني والقومي، وبفضله يتحقق أمن التهديد سواء بالمواجهة الفعلية أم بالردع مما يجعله يتصدر قائمة الأولويات الوطنية.
وأما ما يحصل في سوريا من عربدة أمريكية وغربية واحتلال روسي فارسي لهذا البلد، وممارسة المحتل أبشع الممارسات وأفظع الاقترافات ضد البشر والمقر، فيعتبر ذلك بمثابة إطلاق طلقة الرحمة على الأمن القومي العربي والبداية الفعلية للتفكك القطري ودخول الدول العربية في مرحلة جديد من التشرذم والتقسيم، إذ إن سوريا تمثل خط الدفاع الأخير بعد العراق واكتمال السيطرة الأجنبية عليها ما هي إلا بداية النهاية، وإيذانا بتحول الدفاع إلى هزيمة وانهيار للأمن القومي العربي على أنقاض العرق العربي والمكون السني واليوم لم يعد في قوس الاصطبار منزع ولا إلى غير الاضطراب مفزع، فأما مواجهة لرد الاعتبار أو التردي في هاوية الانكسار.