د. ريم بنت عبد الرحمن الجابر
في لعبة الشّطرنج تُعبّر كلمة (كش.. ملك) عن سقوط الملك كنهاية حتميّة للعبة، فعندما يكون وضعه مهدداً في الخطوة التالية، يصبح اللاعب حينها مجبراً على أن تكون حركته التّالية إزالة التّهديد، بتغيير موقع الملك أو حمايته بقطعة أخرى تقطع مسار قطعة الخصم التي تُمثل تهديدًا للملك، وحين تكون هذه الخطوة المطلوبة لحمايته غير ممكنة، بحيث لا توجد خطوة أخرى تضعه في موقف آمن بلا تهديد، تنتهي اللعبة ويعلن سُقوط الملك. ومن باب التّشابه نجد أنّنا نُمارس في بعض مُنظّماتنا الإداريّة مفهوم (كش.. مُوظّف) من حيث ندري أو لا ندري، وذلك بالابتعاد عن استثمار أهم موارد المُنظّمة المُتمثّلة في الموارد البشريّة.
إنّ المُدير النّاجح هو الذي يتميّز بقدرته على الارتقاء بمؤسّسته بمشاركة مرؤوسيه، ولذا عليه السّعي لخلق احتياطي من العناصر الكفؤة الذين يُمثلون بذاتهم قادة مُستقبليين؛ ولا يتأتى ذلك إلا من خلال التّنويع والتدّرج بين أساليب إداريّة متعدّدة، منها : التّوسُّع الوظيفي، والإثراء الوظيفي، والتّمكين الإداري.
ويُعرّف مفهوم التّوسّع الوظيفي بأنّه تغيير عمل المرؤوس من خلال تضمينه مهام إضافيّة أُخرى، تختلف عن عمله الأصلي، وكانت تُؤدّى بواسطة مرؤوس آخر أو أكثر من نفس مُستواه الإداري؛ كمحاولة للخروج فقط على فكرة التّخصّص في العمل، وهذا يعني أنّ التّوسّع هنا هو توسّع أُفقي.
وباستجلاء الهدف من التّوسّع الوظيفي، اتّضح أنّه يُركّز على خصائص الوظيفة بشكلٍ يفوق تركيزه على المرؤوس ذاته، إلى جانب أنّ تطبيقه يتم من خلال نقل المهام ضمن المُستوى الإداري نفسه؛ ممّا يعني بقاء المُنظّمة رهينة النّظام الهرمي، رغم محاولتها القضاء على الرّوتينيّة، والتي تتحقّق فقط لفترة مُؤقّتة؛ لأنّه سرعان ما يعتاد المرؤوس على ما استجدّ عليه من مهام، على عكس التّمكين الذي يُركّز على المرؤوس، ويجعله مُتمتّعاً باستقلاليّة في التّعامل مع بيئته العمليّة، بمُتغيّراتها الظّرفيّة المُتجدّدة، ضمن هيكل تنظيمي أُفقي.
وفيما يخص مفهوم الإثراء الوظيفي الذي يُسمّى بالإغناء الوظيفي، أو التّعظيم الوظيفي، أو التّعميق الوظيفي؛ ويعني تفويض جزء من مسؤوليّات وصلاحيّات الرّئيس إلى المرؤوس فيما يتّصل بعمله، بمعنى التّقدّم في العمل رأسيّاً، وبذلك تتحوّل الرّقابة لدى المرؤوس من رقابة خارجيّة إلى رقابة ذاتيّة، وأفضل صوره أن يقوم الرّئيس بتفويض جزء من صلاحيّته وسلطته إلى مرؤوسيه.
وبالرغم من وُجود تقارب بين عمليتي الإثراء الوظيفي والتّمكين الإداري، إلا أنّ هُناك فرقًا بينهما يظهر في جانبين هما: أوّلا: يتطلّب التّمكين التّحقق من مدى امتلاك المرؤوس للقُدرة على أداء ما سيُناط به من مسؤوليّات قبل تمكينه، ثانيًا: يُعد التّمكين أكثر اتّساعًا من الإثراء الوظيفي، إذ يتضمّن بُعد التأثير، فالمرؤوس الجاري تمكينه، يمتلك قُدرة على التّأثير في خطط وسياسات وبرامج الإدارة الأعلى، وكلا الجانبين لا يتوافران في حال الإثراء الوظيفي.
وممّا سبق وحتى تتأكّد قاعدة النّجاح الإداريّة، يجب على المنظّمات استنهاض طاقات مرؤوسيها الكامنة، والعمل على تطويرها لمُواجهة التّحدّيات المُستقبليّة، بما يضمن لاحقًا زرع الثّقة النّفسيّة والمهنيّة في كل مرؤوس نتيجةً لما حقّقه من إنجازاتٍ وظيفيّةٍ، تحميه لاحقًا من (كش.. موظّف)، كما يلزم كل مُنظّمة تحاول خوض سوق التّنافسيّة العالميّة، تطبيق ما تقدّم بناءً على دراستها لوضعها الحالي، فالمنظّمات النّاشئة تحتاج إلى التّدرّج بين التّوسع الوظيفي فالإغناء الوظيفي وُصولا للتّمكين الإداري، بعكس المُنظّمات التي سبقتها بخوض نطاق سوق العمل، فبإمكانها تطبيق التّمكين الإداري مُباشرة؛ خاصّةً إذا كانت تُطبّق معايير دقيقةً للاستقطاب والتّعيين والتّرقية.