شحادة أبو بقر
الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، وبحسب القرآن الكريم فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وبحسب رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإن من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه، أي متحللاً من كل ذنوبه مغفورًا له، وعليه، يحرص الحاج أيًا كانت جنسيته، على أداء الشعائر بهدوء وخشوع وسكينة ووقار كي يقبل عند الله حجه، ولا مكان في شريعته وذهنيته لأي تصرف دنيوي آخر خارج هذا السياق، وإلا فهو لم يأت حاجًا وإنما في قرارة نفسه أمور أخرى أن مارس شيئًا منها فلا حج له، لا بل زاد بأن تعمد إفساد حج غيره عنوة وأساء لعبادة عظمى!.
هذا هو فهمنا للحج منذ فجر الإسلام، ولهذا فنحن وسائر المسلمين لا نستطيع هضم أو فهم مبررات أن تطلب دولة بالسماح لحجاجها بممارسة طقوس سياسية خلال موسم الحج وفي أرض الحرمين!، دونا عن جميع الملايين من حجاج بيت الله الحرام، خاصة وهي تعلم يقينًا مدى خطورة ذلك على سلامة وأمن وحياة تلك الملايين التي تجشمت عناء السفر من شتى بقاع الأرض لأداء الفريضة مرة في العمر، ولهذا فالعالم الإسلامي كله وليست السلطات السعودية وحدها، يرفض هكذا طلب حفاظًا على سلامة مواطنيه الحجيج، ولا يقبل بأن تأذن الحكومة السعودية بشيء من ذلك أبدًا.
نفهم دواعي الخلافات السياسية بين الدول، لكننا لا نقر ولا نقبل بأن تنعكس تلك الخلافات على شعائر الحج، بحيث يجدها البعض فرصة لممارسات قد تظهر المملكة العربية السعودية كما لو كانت غير مؤهلة لإدارة هذا الركن العظيم وضمان سلامة الحجيج، ويظهر ذلك جليًا عبر مطالبات سياسية محضة بكف يدها عن تلك الإدارة العظمى التي تستحق الشكر والثناء على ما تبذل من جهود جبارة في سبيل أدائها على أكمل وجه.
حججت مرة وأديت العمرة مرة، وأشهد لوجه الله، بأن السلطات المعنية في السعودية، تبذل جهودًا عظيمة مضنية يعجز عنها سواها، وتتحمل مسؤوليات كبرى ينكص دونها سواها، في خدمة حجاج بيت الله الحرام، ولا يملك منصف يعرف الله تعالى حق المعرفة ويخشى عذابه ويرجو مغفرته، إلا أن يقدر عاليًا وعاليًا جدًا ما تتحمل السلطات السعودية كلها من مشقة وعناء من أجل راحة الحجيج وسلامتهم، وتمكينهم من أداء الفريضة كما يجب.
من يستقبل ملايين البشر من شتى الجنسيات والبلدان واللغات والثقافات والأجناس والعرقيات في وقت واحد ومكان واحد لأداء شعائر عديدة في جهد متزامن، ويؤدي الأمانة وينهض بها بتميز وبامتياز، يجب أن يحظى بالشكر والتقدير والاحترام والإشادة من جميع دول الأرض الإسلامية وغير الإسلامية، لا بالتشكيك والاتهام ومحاولة دس السم في الدسم لغايات سياسية مكشوفة ولا تخفى حتى على جاهل!.
السعودية ومنذ عقود طويلة تقوم على خدمة الحرمين الشريفين ومواكب الحجيج من سائر أرجاء الكوكب، والعالم الإسلامي وكل المسلمين على امتداد الكوكب يكبرون بها ولها هذا العمل العظيم، ولا مجال أبدًا للانتقاص من شأنها في هذا المجال أبدًا، وكلنا ندرك أن من الطبيعي جدًا أن يموت حجاج وأن تقع حوادث خلال الحج تمامًا كما تقع الحوادث في أي مكان آخر من هذا العالم، وعلى من يخاصمون السعودية سياسيًا، أن يبحثوا عن مبررات ومجالات سياسية أخرى غير الحج، إن كانوا مصممين على إدانتها وبأي ثمن!.
الحج عبادة لا سياسة والسعودية أجرها على الله جل في علاه. وبالمناسبة لا أعرف أحدًا في السعودية وتقدمت بطلب تأشيرة حج لقريب لي عن طريق رجل فاضل هذا الموسم ولم أوفق في الحصول عليها، أقول هذا لكي يطمئن من قد يرميني بالانحياز أو النفاق للسعودية، والله من وراء القصد.