سعد الدوسري
حين قال أجدادنا؛ «اطلبوا العلم، ولو في الصين»، كانوا يعرفون أنّ ثمة بقعة جغرافية اسمها الصين، على الرغم من بُعدها عنهم. أي أنّ الصين كانت حاضرة في ذاكرة الجزيرة العربية منذ القدم، وذلك لأنّ ثمة طريقاً يربطهما، هو طريق الحرير.
من أجمل ما يمكن تداوله اليوم، في الأوساط السياسية والاقتصادية والثقافية، هو عودة هذا الطريق الذي يبلغ عمره 3 آلاف سنة إلى الحياة الحقيقية، وليست الحياة المجازية. هذا الطريق هو طريق ثقافي، قبل أن يكون طريقاً تجارياً. هو، بالنسبة لجزيرة العرب، أفُقٌ روحية، تربط أطراف الفكر الشرقي، ببعضه البعض. صحيح أنّ الحرير والبخور كانا يتنقلان عليه من الصين والهند وبلاد فارس حتى الأندلس، مروراً بدول آسيا وأفريقيا، لكن الأهم هو بذور الفكر الإنساني، التي تناثرت على طول هذا الطريق، لتستفيد منها شعوب الدول التي تقع عليه.
لقد قام فكر النهضة الإسلامية، على الاستفادة من مضامين الفكر الذي سبقه، لذلك يظن البعض، أن «اطلبوا العلم ولو في الصين» هو حديث نبوي، وهو ليس كذلك، لكنه يثبت أنّ قراءة ما أتى به الآخرون، والتأثر بالمفيد منه، ليس مخالفاً للعقيدة الإسلامية، كما يحاول أن يروِّج الكثيرون ممن يدّعون خوفهم على الإسلام.
إنّ الانفتاح على الآخر، لا يعني التخلي عن حضارتك وفكرك وعقيدتك، بل هو نشر وتأصيل لحضورك ومنجزاتك وثقافتك وتاريخك.