«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في الماضي كان من أهم مظاهر قدوم العيد في كل مدينة كبرى بالمملكة هو سماع (مدفع العيد)؛ لذلك ارتبط به هذا المدفع، الذي جاء اسمه من (دفع - مدافع - د.ف.ع) والمقصود به الدفاع والحماية، لكنه استُعمل كفعل إعلاني للإعلان والتنبيه والتوضيح للناس أو لأهالي المدينة أن اليوم يوم عيد.. حينما يسمعه الناس تبتهج نفوسهم، وتسعد أن الله بلغهم يوم العيد وهم في خير وسعادة مع من يحبون. وعادة ما يوضع (مدفع العيد) في موقع مرتفع من المدينة. ومدفع العيد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالعيدين، كما ارتبط بشهر رمضان المبارك، وكثيرًا ما كنا نسمعه في الإذاعة في الماضي وحتى بعد أن بدأ البث التلفزيوني. وما زالت محطات وقنوات إذاعية وتلفزيونية خليجية وعربية تنقل مباشرة حدث إطلاق مدفع العيد. وهذا المدفع كانت له فيما مضى من زمن قيمة كبرى في زمن لم تتوافر فيه وسائل الإعلام المتاحة للجميع كما هو الحال اليوم؟! ولا شك أن أبناء الوطن من كبار السن وفي مختلف المدن الكبرى ربما بعضهم عايش لحظات إطلاق مدفع العيد أو حتى شاهده مباشرة. ولو سألت أحدهم عن مدفع العيد لذكر لك الكثير. وبحكم أنني قد تجاوزت عقدي السادس فأنا شخصيًّا شاهدت مدفع العيد، وكان ينصب في مرتفع بسيط بجوار سوق الخميس شرق مدينة الهفوف. ولكن ما هي حكاية المدفع؟ وكيف بدأ ينتشر في عالمنا العربي والإسلامي؟ تقول الروايات، وحسب ما ذكره الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة حلوان في إحدى الصحف قبل أعوام عدة: إنه يرجع لعهد والي مصر (محمد على)؛ إذ كان بعض الجنود يقومون بالأعمال الروتينية أول أيام رمضان المبارك مع صيانة المدفع الموجود على أحد أسوار القاهرة، ولم يكن الجنود يعلمون بوجود قذيفة داخل المدفع؛ فانطلقت وقت صعود المؤذن لرفع الأذان للمغرب. وقتها اعتقد الناس أن هذا العمل كان مقصودًا لإعلان موعد الإفطار. بعدها ذهبت مجموعة من رجال الدين للوالي لشكره، وكان ذلك عام 859 هجرية. ومن يومها أمر الوالي اعتماد المدفع في رمضان، ومن ثم في العيدين. ورواية أخرى تشير إلى أن ذلك يعود إلى أنه أُهدي للسلطان المملوكي (خوشقدم) مدفع لتجربته والتأكد من صلاحيته فصادف إطلاقه وقت المغرب.. ففرح الناس.. إلخ. ومن مصر انتشر إلى العالم العربي. وبات (المدفع) وسيلة مهمة بل ضرورية للإعلان. هذا، وتختلف أعداد طلقات مدفع العيد من بلد إلى آخر؛ فمدن تقوم بإطلاق 21 طلقة مدفعية إعلانًا لحول العيد، ومدن أخرى 3 طلقات. ولكن الطريف أن بعض حشوات المدفع لا تحتوي على البارود، وإنما على حشوة قماشية مبلولة بالزيت والقليل من البارود كما هو الحال في مدفع بيروت الشهير. وماذا بعد المدفع الوحيد الذي يفرح به الناس (كل الناس) في عالمنا العربي والإسلامي، هو (مدفع العيد)؟
اللهم اجعل أيامنا كلها أعيادًا سعيدة، وكل عيد أضحى وأنتم بخير.