د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استكمالاً لما تم طرحه عن واقع تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنني أمتح من بنك التفكير الذي حزمت ركائبي إليه في الجزء الأول من المقال، أمتح ما يمكن أن يحقق شيئاً من محفزات التنفيذ لبرامج التحول الوطني المعتمدة للتربية الخاصة، والتي أرجو ألاَّ يكون تنفيذها أسيراً للواقع السائد، وألاَّ تكون مكونات التنفيذ تكراراً للتعامل مع المصبّات النائية عن واقع ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن لا يستطيل ظلالها إلى التشخيص والتدخل المبكر وعمومية الخدمات المساندة فقط دون المباشرة للطلاب التي يجب أن يزدهر بها واقع الرعاية المعرفية لهم. ولنا آمال في ضبط تلك الجوانب المتعلقة بتخطيط التنفيذ، فمعالي وزير التعليم قد راهن عليه الناس - وأنا منهم - في المقدرة على الحكم والاحتكام.
ومن خلال استيعاب المشهد، فإن من الأولويات افتتاح مراكز تعليمية لمن يعانون من التوحد، لاستيعاب واقعهم، وواقع أُسرهم المثير للشجن حتى أنهم هُجّروا خارج البلاد، ونحن ندندن وراء تشخيص حالاتهم المشخصة، ونتسابق في عرض أعدادهم في كل اجتماع ومحفل، وزيارة المراكز التي تؤويهم خارج البلاد للترحم عليهم. كل ذلك والمتطلب الأساس في غيبة وغياب، وما زلنا ننتشي وراء قص الشريط، والتدشين والصور اللامعة في أروقة الإعلام المنقاد.
وقد اطلعتُ على طموحات بلادنا في برامج التحول الوطني للتربية الخاصة، وذلك بزيادة أعداد المستفيدين من خدمات التعليم من ذوي الاحتياجات الخاصة من (58400) حالياً إلى (200000) في عام 2020، وهذا يتطلب رؤية مختلفة تشمل تحسين البيئات الحالية، وافتتاح مراكز لمتعددي العوق لوجود كثير من الحالات لم تُخدم تعليمياً لخلل في واقع التخطيط. ولا يمكن أن يتحقق ذلك من خلال التوجه للقطاع الخاص فقط، لقلة المدارس الأهلية التي تخدم ذوي الإعاقة حالياً، وإن وُجدت فإن جُلّها هزيلٌ وضعيف. وحيث إن حكومتنا الرشيدة رصدت ميزانيات ضخمة في برنامج التحول الوطني لتعليم هذه الفئة من الطلاب، فيلزم أن تضخ في صناعة بيئات نامية تحتوي أولئك الطلاب وتضمن لهم تعليماً مناسباً، وأن توطِّن خدمة التشخيص والخدمات المساندة الأخرى في تلك البيئات، فتمركزها في أحضان أخرى «وهن على وهن»، باعتبارها قواعد تأسيسية يجب أن لا تغادر بيوت المستفيدين المباشرة، وأن لا تتمركز الأهداف حول برامج ثانوية هي من الموجهات العامة التي كان يجب أن ينطلق منها عمل القطاع كاملاً، فكيف تُستحدث في البرامج اليوم وكأنها من أطياف اللحظات الحاضرة. وفرق يعرفه الراسخون في دروب التخطيط بين العناصر التأسيسية وبرامج التشغيل التطويرية، كما يجب الشروع الفوري في تأسيس (المدارس المشتركة) بين الوزارتين المعنيتين (التنمية الاجتماعية والتعليم)، وأن تحدد آلية الإشراف عليها حتى لا يصبح الطلاب الذين يحتاجون إلى دمج الخدمة التعليمية والتأهيلية الشاملة تحت وطأة «شركاء متشاكسون». كما أن الضرورة تقتضي تؤسس الدولة - رعاها الله - كياناً وطنياً مستقلاً للتربية الخاصة، وفق أي نموذج تشغيلي مناسب وبميزانية مستقلة، يستحدث المراكز النموذجية المتكاملة من الجانب التعليمي والصحي والاجتماعي، ويشرف عليها ويعتمد في إنشائها مكانياً على دراسات إسقاطية دقيقة، ويوجّه للعمل فيها المتخصصين في المجالات المطلوبة، ويكون من مهام ذلك الكيان المستقل أيضاً ضبط جودة الخدمة المقدمة لهذه الفئة من القطاع الخاص، وإلى أن تتحقق الأحلام «بنك التفكير» فيمكن استثمار وجود مدارس تطوير «المدلّلة» في إدراج برامج في مسارات التربية الخاصة وفق الحاجة.
والشاهد أن لا تدور الجهود حول الحمى دون أن تصل إلى المستفيدين، فتعليم تلك الفئة بحاجة ماسة جداً للتخطيط الواقعي المدروس.
رحم الله د. القصيبي:
لا تقل إني معاق مد لي كف الأخوة
ستراني في السباق أعبر الشوط بقوة