د. عبد الله المعيلي
وبدأ موسم الحج، وبدأ المسلمون يتوافدون إلى البقاع الطاهرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، استجابة لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، إِذ أمره ربه سبحانه وتعالى أن ينادي الناس بالحج إلى بيته الحرام في مكة المكرمة، ويعد الحج ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رجالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) سورة الحـج، ومنذ وجهت الدعوة والناس يتوافدون إلى مكة المكرمة لأداء شعيرة الحج، يأتون من كل فج عميق، يأتون من كل بقاع الأرض مشيًا على الأقدام، وكانت رحلة الحج إلى عهد قريب في جزيرة العرب، تستغرق من الحاج أشهرًا عديدة محاطة بالكثير من المخاطر والمآسي والمشاق، بل قد تصل إلى أكثر من سنة وخصوصًا إذا جاء الحاج من خارج جزيرة العرب، الله أكبر ما أشد تلك الأيام وأقساها مقارنة بما هو الواقع الحالي الذي تتجاوز مدة الوصول إلى الديار المقدسة أكثر من ساعات معدودة.
مقارنة عجلى بين تلك الأيام التي كانت رحلة الحاج إلى الديار المقدسة تستغرق من الوقت إيابًا وذهابًا أشهرًا بل سنوات، فضلاً عن المشاق والمخاطرة، إنها رحلة العمر التي يجمع لها الحاج مالاً يقتر فيه على نفسه وعياله حتى يجمعه، هذا عدا الوقت والجهد، يروى أنه إلى عهد قريب، سابق لهذا العهد الميمون الذي تقدم فيه للحاج خدمات جلية عديدة، فقد كان الحاج ملزمًا أن يدفع مالاً للحاكم في مكة، وإن تعذر عليه ذلك، عاد من حيث أتى ولم يمكن من أداء فريضة الحج، غير آبهين بمشاعره وانكساره.
وللحج حدود وآداب يجب على المسلم الحاج أن يعيها ويستوعب مفاهيمها وقيمها الشرعية والسلوكية حين ينوي الحج إلى بيت الله الحرام، وأن يلتزم بها فكرًا وسلوكًا وقيمًا، قال تعالى: {الْحَجُّ أشهر مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أولي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة، على الحاج أن يدرك أن الرفث على الحاج محرم، والرفث الجماع، وعلى الحاج أن يتجنب الإشارة أو التعريض بالجماع ومقدماته العملية والقولية، كما يجب عليه تجنب كل صور الفسوق، سواء منها التنابز بالألقاب والسباب، وكل ما نهي عنه في الإحرام مثل قتل الصيد، وحلق الشعر، وتقليم الأظافر، والتطيب، يروي أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله وسلم قال: من حج هذا البيت ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما يجب على الحاج تجنب الخصومات والمراء، أو أن يغضب عليه حاج بسبب مضايقته أو رفض مساعدته أن طلب عونًا أو قضاء حاجة، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج، هذا وعد من الله ووعيد، عذاب أليم، لكل من يتعمد إيذاء إخوانه الحجاج، أو أن يفسد عليهم حجهم بإثارة القلاقل والفتن بينهم.
فيا أيها الحاج وقد عقد النية لأداء فريضة الحج، لا تبع دينك بدنياك، لا تسمح لدعاة جهنم أن يستخدموك جسرًا لإفساد مناسك الحج، وإيذاء إخوانك الحجاج، مقابل حفنة من المال الذي مهما بلغت قيمته فإنه لن ينفعك مقابل العذاب الأليم الذي ينتظرك، ومن دلائل العذاب تلك الأيادي المؤمنة التي ترفع دعاء عليك، خذوا العبرة من السابقين الذين عمدوا إلى زعزعة أمن الحج ماذا حصل لهم من العذاب في الدنيا فضلاً عمّا ينتظرهم في الآخرة، ومن ذاك الذي أحضر معه ثعابين لإيذاء الحجاج، فضحه الله، ونال جزاءه بالدعاء عليه من كل من سمع بالحادثة.
لذا أخي الحاج اتق الله وأنت تؤدي شعيرة الحج، تجنب كل يؤدي إلى إيذاء إخوانك في الحج، إنها رحلة العمر لا تفسدها مقابل متاع من الدنيا قليل.