د. أحمد الفراج
قبل أيام، توفيت الناشطة الأمريكية الشهيرة، فيليس شالفلي، وتعتبر هذه السيدة من أبرز الشخصيات المحافظة في الولايات المتحدة، ومصطلح «محافظ» درجات، أعلاها هو أن يكون الشخص عنصرياً، ويغطي ذلك بمصطلح المحافظة، والسيدة شالفلي تنتمي إلى هذه الفئة، فهي سياسياً جمهورية حد التعصب، ولها نشاط محموم في خدمة الحزب، وقد حضرت جميع مؤتمرات الحزب للانتخابات الرئاسية، وذلك منذ عام 1952، وكان آخرها مؤتمر الحزب الأخير، الذي تم ترشيح دونالد ترمب رسمياً من خلاله، وهي من أشد أنصار ترمب، لدرجة أنها تحاملت على مشاكلها الصحية، وعمرها الكبير، من أجل الحضور، اذ إن عمرها جاوز التسعين، ويبدو أن تصريحات ترمب الحادة ضد الأقليات أثارت جذوة العنصرية القديمة لديها، حسب رأي المراقبين.
السيدة شالفلي، والتي تزوّجت ثرياً من مدينة سانت لويس، بولاية ميزوري، امتهنت الكتابة، وألّفت عشرات الكتب، وذلك منذ العام 1964، وحققت شهرة واسعة، وثروة كبيرة، لدرجة أن زوجها الثري تقاعد من عمله ليدير أعمالها!! وكان أشهر كتبها قد باع أكثر من ثلاثة ملايين نسخة، وكان له دور في تغيير مسار الحزب الجمهوري، خلال فترة الستينات الميلادية، من القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت أوج حركة الحقوق المدنية، ومطالبات السود بمساواتهم مع البيض، وانتهت بالطبع بحصول ذلك، بعد اغتيال أشهر زعامات حركة الحقوق المدنية السود، الناشط المسالم مارتن لوثر كينج، والثوري مالكم اكس، والعجيب في أمر هذه السيدة المحافظة، والثرية جداً، هو أنها كرست حياتها ضد حقوق المرأة، فهي ناشطة في هذا المجال، ولم تتزحزح عن موقفها حتى وفاتها قبل أيام، وهنا تأتي قمة التناقض بين طبيعة حياتها ونشاطاتها، ومحاضراتها، التي تتم خارج المنزل، بل خارج مدينتها، وبين مواقفها التي تؤكد أن مكان المرأة الطبيعي هو المنزل، وكذلك موقفها المناهض لمساواة المرأة بالرجل، بخصوص الأجور مقابل القيام بذات العمل!
السيدة شالفلي لها نظيرات هنا، وقد تذكّرتهن، وأنا أقرأ سيرتها، وأقرأ تعليقات قراء الصحف الأمريكية، التي نقلت خبر وفاتها، وهي تعليقات تشبه تعليقاتنا هنا على الحزبيات السعوديات، فالحزبيات هنا لا يقر لهن قرار، فهن يعملن في وظائف حكومية راقية جداً، كما يقمن بأعمال إضافية، ومعظمهن يملكن مؤسسات خاصة، تدر عليهن الأموال الطائلة، ناهيك عن السفر المستمر، داخل المملكة وخارجها، ومع ذلك فهن يقفن حجر عثرة ضد عمل المرأة، وضد ابتعاثها، ولا يجدن حرجاً في هذا التناقض، ولعلكم تذكرون الحزبيات السعوديات، اللاتي وقفن بكل قوة ضد برنامج الابتعاث، ثم كتبن مرة أخرى، يطلبن من المتابعين لهن المباركة والدعاء لأبنائهن وبناتهن المبتعثين والمبتعاث، هكذا بكل فجاجة، والخلاصة هي أن وقوف المرأة ضد حقوق بنات جنسها ليس حكراً علينا، فها هي هذه السيدة الأمريكية مثال حي لمثل ذلك، مع أنها تنتمي لزعيمة العالم الحر، وبالتالي فإذا رأيتم حزبية سعودية، تعمل في عدة وظائف، وفي ذات الوقت تقف ضد عمل المرأة الشريف، فما عليكم إلا أن تقولوا لها :» كفى تناقضاً يا سيدة شالفلي!».