محمد عبد الرزاق القشعمي
ولد في بلدة (حوطة سدير) بقلب نجد، وتلقى تعليمه الأولي لدى أحد كتابها حيث حفظ بعض أجزاء القرآن الكريم، انتقل مع شقيقيه سعد وعبدالمحسن – بين الطفولة والشباب – إلى الرياض ثم تفرق كل منهما ليعملا على الحصول على ما يسد رمقهما كاجراء (صبيان) لدى بعض الأسر الموسرة. وقد أتيحت له الفرصة صدفة للسفر إلى مكة المكرمة لعمله كصبي لدى الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل الشيخ (أبو حصات) ورافق أبناءه، وعند سفرهم للحجاز لأداء فريضة الحج بقي بمكة لطلب العلم في حدود عام 58-1359هـ.
ولهذا نجده يقول في مقابلة له بمجلة اليمامة 8 رجب 1418هـ «تركت حوطة سدير بالصدفة إلى الرياض، وبالصدفة أيضاً انتقلت إلى مكة المكرمة ثم الطائف وفيها وجدت شبابا يذهبون في الصباح ويعودون بعد الظهر، سألت فعرفت أنهم يذهبون للمدرسة حشرت نفسي بينهم وربطت أيامي بأيامهم بغير هدف... وهكذا انتقلت إلى مكة المكرمة وواصلت المشوار آملاً أن يكون الطريق قصيراً. كنت أطمح أن أتعلم الحساب كي أكون (كاتباً) و(محاسباً) لدى التجار الموسرين، حصلت على الشهادة الابتدائية وكنت أتصور أنها قد حققت طموحي، وفي الحرم المكي علمت أن زملائي يواصلون الدراسة، وتصورت أن المرحلة الثانوية هي أقصى ما يمكن أن يصل إليه رقم ترك قريته كي يعود إليها، ولكن الأمور سارت بالصدفة، إذ وجدت نفسي أول دفعتي وأنني مرشح للابتعاث إلى مصر، وهكذا سارت حياتي بالصدفة أي بدون تخطيط، وهل لابن القرية أن يخطط ويرسم مستقبله؟! ».
وهكذا بعد أن أنهى دراسته في المعهد العلمي السعودي بتفوق عام 1367هـ وجد نفسه يبحر إلى القاهرة على الباخرة (تالودي) .. ».
لحق بزملاء سبقوه بدار البعثة السعودية، وكان يخطط للالتحاق بدار العلوم، ولكن الصدفة قادته أيضاً إلى كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة فؤاد الأول، إذ كان في زيارة لها فوجد أسماء لامعة ومغرية يُدرِّسون في قسم اللغة العربية أمثال: طه حسين وأمين الخولي ومصطفى السقا وأحمد أمين ويحيى الخشاب وسهير القلماوي وعميد الكلية عبدالوهاب عزام، فوجد نفسه يلتحق بها، فلم يخب ظنه بل وجد من هولاء العمالقة كل تشجيع واهتمام.
لقد تفحت مداركه، وتابع ما يلقى على الطلاب من محاضرات بكل اهتمام وشغف، وشهد الحملة الشديدة على الدكتور طه حسين بسبب كتابه (الشعر الجاهلي)، وأصغى لأمين الخولي وهو يلقي محاضراته وقرأ كتابه (فن القول) الذي يرى أن النحو والبلاغة تفرضان قيوداً على حرية التعبير، ومن يعارضه في هذا القول الأستاذ فؤاد حسنين الذي يرى أن حرية التعبير الأدبي يجب أن تلتزم بقيود النحو والصرف.. فقال: «.. فأنت تسمع الشيء ونقيضه وعليك أن تحدد موقفك على ضوء قناعاتك لا بالخضوع لرأي مجتهد، والطالب في المرحلة الثانوية يدرس كتاباً وفقاً لمنهج محدد بينما الطالب في الجامعة يعتمد على ما يصل إلى عقله وقلبه من معلومات أساسها البحث والتفكير والاقتناع.. ».
كان له نشاط بارز مع زملاء البعثة في السكن أو الجامعة، وسمعوا بأن الملك عبدالعزيز قد عرض على الأمير مساعد بن عبدالرحمن – رحمهم الله – وزارة المعارف فاتفقت البعثة على توجيه رسالة إلى الأمير يرجونه أن يقبل، وجاءتهم إجابته شاكراً لمشاعرهم وعبر عن اهتمامه برسالتهم. فكانت بداية لشعورهم بالحماس للتعليم في المملكة. فكونوا بمقر سكن البعثة لجنة ثقافية، وأصدروا صحيفة حائط تكتب بخط اليد، ووزعوا العمل فيما بينهم لممارسة النشاط الثقافي والاجتماعي، وتأسيس مكتبة، وتكوين فرقة للرياضة والرحلات. وكانوا يقيمون احتفالات خطابية ترحيبية بأي مسؤل سعودي يزورهم كوزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل ومدير المعارف محمد المانع وغيرهم.
مع نهاية دراسته التقى بالشيخ حمد الجاسر وهو يزمع إصدار مجلة (اليمامة) فعهد إليه بمتابعة جمع وتصحيح المقالات وتقديمها للمطبعة والإشراف على طباعتها، ثم شحنها للمملكة.
عاد للمملكة في أول ينار 1953م ليلتحق بوزارة الخارجية ليعمل ملحقاً لمدة سنة، ليصدر الأمر الملكي صيف عام 1373هـ/ 1954م بتكليفه كمعتمد للمعارف في نجد ليخلف الشخ حمد الجاسر، وبعد تشكيل أول وزارة في عهد الملك سعود أصبح مديراً عام لوزارة المعارف التي أنيطت مسؤلياتها بالأمير فهد بن عبدالعزيز، وليتم التخطيط والتنفيذ لتطوير التعليم بجميع مراحله.