مسكين ذلك الإنسان الذي نسيناه، أو ربما يجدر بي أن أقول الذي سحقناه، فهكذا يستقيم المعنى، حيث سحقنا الإنسانية تحت أقدام الصراعات بين التيارات الفكرية والدينية، وتوغلنا بجثة الإنسانية في وحل التصنيفات التي جعلتنا نتجرد من شعورنا بالآخرين، ونفقد قيمة مهمة من قيم الإنسانية البائدة وهي الإحساس والرحمة.
فبعد أن فضلنا الله على كثير من خلقه ومنحنا الخلافة في الأرض حين قال جل جلاله:
«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» ومنح الإنسان بعد ذلك كل الطاقات والمواهب والعقل، لكي نقوم بعمارة الأرض، ونعيش الحياة كما يجب، ذهب البعض منا ليحاربوا ذلك العقل، حيث ظنوا أن ذلك العقل هو السبب الأعظم في الخروج عن نص التفكير، والابتعاد عن الله سبحانه وتعالى! وللأسف أن هناك من استأثر بالتفكير لنفسه (لحاجة في نفسه) والأسف الأكبر على من عطل هذه الوظيفة تعطيلاً كاملاً ورضي لنفسه الانقياد والانسياق خلف أفكار غيره. فلم يمتع نفسه بما متعه الله به من موهبة التفكير والتحليل والتدقيق والاستنتاج. واختار التقليد فحسب، إذ رأى أن في التقليد سهولة أكثر في العبور.
لم يكن على بني الإنسان أن يعاملوا بعضهم وفق تصنيفاتهم، فتلك التصنيفات لم ولن تساعد في عمارة هذه الأرض، حيث لن ينتج عنها إلا مزيداً من الحروب والاحتقان والكراهية والبغضاء، والتعامل مع الإنسان وفق ما يتلبس به من قيم أو أفكار أو مذهب، وليس مع إنسانيته المحضة.
لقد أدت تلك التصنيفات التي اخترعها الإنسان إلى تدمير الإنسان، وهدم وعيه برسالته، وفقدان دوره الريادي القيادي في هذه الحياة وعلى كوكب الأرض، حيث أدت التصنيفات إلى تغيير شكل العلاقة الإنسانية بين البشر، وتحولت من علاقة يفترض بها تحقيق التكامل والتآخي، إلى علاقة صراع جاهلية تهدم كل بناء للتنمية! والمسكين في هذا الصراع هو الإنسان المسحوق والمسلوب من إنسانيته وقيمها الكبرى! فلقد عوَّل الكثير منا على تياراتهم وأفكارهم التي يتبعونها، ولم يعوِّل أحد على الإنسان، رغم أنه المضمون الأكبر والقيمة العظمى في هذه الحياة.
وصلتني قبل عدة أيام رسالة من صديق عزيز، كانت محشوة بالنصح والتوجيه، وحين سألته عن سبب تلك الرسالة، أخبرني أنه كان مستاء من إعادتي لتغريدة أحد الكُتاب عبر برنامج التواصل الاجتماعي «تويتر» وحين سألته مرة أخرى:
وماذا في ذلك؟
أجاب بأن ذلك الكاتب «ليبرالي» وراح يهاجمه بشتى الألفاظ البذيئة، والأوصاف المخجلة، ويدّعي أن ذلك الكاتب ليس إلا أداة في يد الغرب للحرب على هذا الدين الإسلامي.
قلت له بهدوء:
هل قال هو عن نفسه بأنه (ليبرالي؟)
قال: لا
فقلت:
هل تعرف ما معنى الليبرالية؟!
فقال:
في الحقيقة لا، ولكنها تحارب كل القيم الإسلامية كما يقال!
وأسفت عنها أكثر، إذ لم يكتفِ الإنسان بالتصنيف ليحارب الإنسانية المحضة، بل أضاف إليها تصنيفات واتهامات وجهالة، وبنى على كل ذلك حرب مع أخيه الإنسان، الذي يشترك معه في عمارة هذه الأرض.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26@