أكثر ما يؤذي المجتمعات، وجود الفئات التي تجنح إلى (الشللية)في كل شيء؛ تلك التي لا يرضيها غير سياسة القطيع المؤيد في كلّ صغيرة وكبيرة, الذي يُعطّل تفكيره؛ ليفكر عنه الآخر الأعلم, الأفهم.
هذا السياسة (الشللية) هي امتداد لسياسة تحريك القطيع باتجاه هدف مقنن، لأهداف تخص القائد لا المبادئ غالبًا حتى وإن ألبسها المحرك لها لباس الهدف الأسمى زورًا وبهتانًا.
هذه الشللية في تسيير القطيع المجتزأ من المجتمع مع مرور السنوات ستعمل على تفتيت الكيان الواحد، إلى عدة كيانات فنصير أمام سلطة في وسط سلطة, ودويلات لها مشاربها الخاصة في دولة لها مشربها الخاص.
وهي تختلف باختلاف المقاصد بلا شك, ولم يسلم منها تيار مهما كان توجهه إلا ما رحم الله.
إبان حرب الخليج قررت المملكة العربية السعودية الاستعانة بالجيش الأمريكي لصد العدوان على الكويت، فأفتى المشايخ بجواز الاستعانة بهم، إلا أن كثيرًا من الأحزاب عارضت العلماء واتهمتهم بالباطل، فما كان من الشيخ (محمد أمان الجامي) في المدينة المنورة إلا أن تصدى بالرد عليهم, وتبعه في الرد الكثير ممن أسماهم المعارضون لفتوى المشايخ بالجامية نسبة للشيخ محمد الجامي، وصنفوا هذا التصدي وما يشبهه من معاداة لأي توجه سياسي مناوئ للدولة، يهدف إلى تفتيت وحدتها وانشطارها باسم الجامي؛ فإذا أعلنت الولاء لولي الأمر أسماك الشلليون مدعو الانفتاح بالجامي, وإذا صدرت أوامر من الحاكم وأزعجت بعض المناوئين, وكنت ضمن الذين يسمعون لولي الأمر أسموك بالجامي.
وعلى أن الشيخ رد بما يرضي الله - عزّ وجلّ- ورسوله - صلى الله عليه وسلم- منطلقاً من الشواهد, والقياس على الحوادث والتاريخ إلا أن من أطلق على فعله اسم تيار الجامية هم رجال لا يقلون عنه تفقهاً في الدين والعلم؛ لكنها الأهواء حين تحضر, وتُكشّر عن أنيابها.
عندها سيدخل في دين الله ما ليس فيه, وسيتناحر القوم قولاً وفعلاً باسم الله على شيء ليس لله، بل لهم.
المشهد ذاته يعيد نفسه مع المثقفين القابلين للانشطار والانشراخ على سبعين ألف حجة لو امتد بهم العمر والفكر.
هذا التصنيف الذي نهانا الله عنه في محكم تنزيله بقوله تعالى في سورة الحجرات:»ولاتنابزوا بالألقاب» نسيه العالم والجاهل, والمتدين, وغير المتدين, ولو عقلوه, وشربوا دين الله في أرواحهم, وانطلقوا منهم لما قالوا, وقلنا معهم سني, شيعي, ليبرالي, علماني فكلها بلا استثناء تدخل في النهي ضمناً, ولو برهنوا عكس ذلك.
وقائمة التنابز تطول, من الأنساب إلى الدين, إلى التوجه الفكري.
يطول المقام كلما نكأنا جراحها, ودونكم تويتر المعزّز الأول الذي يصدمك في واقعنا المعيش, وبواطن الناس الخفية التي تفضحها الأسماء؛ مستعارها قبل ظاهرها.
الأمّة في خطر محدق, مبدأ شرره سيكون من هذا التنابز إذا خالطه التعالي الذي يعمي ويصم.
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي