أقلعت عن التدخين بعد ذلك بوقت قصير. لقد كان الإقلاع عن التدخين نتيجة طبيعية للجري كل يوم. لم يكن الإقلاع أمرًا سهلًا، لكني لم أستطع مواصلة التدخين والجري في الوقت نفسه. أصبحت هذه الرغبة البسيطة بالجري أكثر محفز قوي لي لئلا أعود للتدخين وعونًا كبيرًا في التخلص من أعراض الانسحاب، لقد كان الإقلاع عن التدخين مثل لفتة رمزية لوداع الحياة التي اعتدت عيشها.
لم أبغض يومًا الجري لمسافات طويلة. حين كنت في المدرسة لم أكترث يومًا بحصص التربية البدنية وكنت أكره اليوم الرياضي، لأنها كانت مفروضة عليَّ من الأعلى، ولم أكن أحتمل أن أجبر على فعل شيء لم أرغب بالقيام به في الوقت الذي لا أرغب فيه بذلك. في المقابل، كلما استطعت فعل ما أود القيام به، في الوقت الذي أرغب فيه بذلك، بالطريقة التي أريدها كنت أبذل قصارى جهدي. وبما أنني لم أكن رياضيًا أو منظمًا لم أكن صالحًا للرياضات التي تحتاج قرارات سريعة، لذا كان الجري لمسافات طويلة والسباحة مناسبين لشخصيتي، وقد كنت دومًا مدركًا بعض الشيء لذلك، مما قد يفسر تمكني من إدراج الجري في حياتي اليومية.
إن سمحت لي بقطع دورة صغيرة من الجري، أظن أنه يمكنني أن أقول الأمر نفسه عن الدراسة. لم أكن مهتمًا بالأمور التي كنت مجبرًا على دراستها في كل حياتي الدراسية من الابتدائية حتى الجامعة. كنت أقول لنفسي إنها كانت أمرًا لا بد من إنجازه، كما أنني لم أكن مهملًا حقًا وتمكنت من المتابعة حتى الجامعة، لكني لم أجد الدراسة ممتعة أبدًا. وبالتالي، رغم أن درجاتي لم تكن مما يجدر بي إخفاؤه عن الآخرين، لا أحتفظ بأي ذكرى لتلقيّ الثناء لأني أحرزت درجة جيدة أو لأنني كنت الأفضل في أي شيء. لقد بدأت أستمتع بالدراسة بعد أن دخلت النظام التعليمي وأصبحت عضوًا في المجتمع كما يقولون. إن شغفت بأمر وتمكنت من دراسته بسرعتي الخاصة وبحثه بالطريقة التي تعجبني فسأبرع في اكتساب المعرفة والمهارات، فن الترجمة مثلًا، فقد تعلمته بنفسي، بنظام الأجر مقابل العمل. يستغرق اكتساب مهارة ما بهذا الشكل وقتًا طويلًا، وستمر بالكثير من التجارب والأخطاء، لكن ما تتعلمه يستمر معك.
أسعد ما في كوني كاتبًا محترفًا هو أنني أستطيع الخلود للنوم والنهوض باكرًا. حين كنت أدير النادي لم أكن أخلد إلى النوم قبل الفجر تقريبًا. يغلق النادي عند الساعة الثانية عشرة لكن يتعين علي عندها تنظيف المكان ومراجعة الإيصالات والجلوس والتحدث وتناول شيء ما والاسترخاء. أفعل كل ذلك فتصبح الساعة الثالثة فجرًا دون أن أشعر وقد اقترب شروق الشمس. أجلس غالبًا إلى طاولة مطبخي وأكتب حين تطلع الشمس خارجًا، ومن الطبيعي أن يكون النهار قد انتصف حين أستيقظ أخيرًا.
بعد أن أغلقت النادي وبدأت حياتي كروائي، كان أول ما فعلناه أنا وزوجتي هو تغيير نمط حياتنا تمامًا، فقد قررنا أن نخلد إلى النوم بعد أن يهبط الليل بوقت قصير، وأن نستيقظ مع الشروق، ولقد كان هذا مقبولًا لنا فهذا نمط الحياة التي يعيشها الأشخاص المحترمون. وكنا قد أغلقنا النادي فقررنا أيضًا أنه من الآن وصاعدًا سنقابل الأشخاص الذين نود لقاءهم فقط وألا نلتقي بأولئك بمن لا نريد قدر استطاعتنا. لقد شعرنا أننا نستطيع أن نتيح لنفسنا بهذا النوع من الدلال المعتدل، لبعض الوقت على الأقل.
لقد كان تغييرًا هائلًا، من الحياة المنفتحة التي عشناها لسبع سنين إلى حياة أكثر انغلاقًا. أظن أن ذلك الوجود المنفتح لبعض الوقت كان مفيدًا، فقد تعلمت الكثير من الدروس الهامة خلال ذلك الوقت، لقد كان مدرستي الحقيقية، لكنك لا تستطيع أن تعيش هكذا طوال حياتك، فذلك كالمدرسة تمامًا، تدخلها وتتعلم شيئًا ثم سيكون عليك مغادرتها.
- ترجمة/ بثينة الإبراهيم