لا شك أن اللغة العربية قد تشرفت بالقرآن الكريم على سائر اللغات لكن هناك فرقاً بين الأشرفية - من صيغة التفضيل «أشرف» - والأفضلية فالأفضلية ذاتية أما الأشرفية فهي خارجة عن الذات فتحصل بسبب خارجي: نقول: «تشرفتُ بزيارة فلان» بمعنى أن زيارة فلان، وهي عمل خارج عن ذاتي، شرفتني أو حصّلتُ الشرف بزيارته لي أو زيارتي له باختلاف القراءة لـ «زيارة»، وهل هي على الفاعلية أو المفعولية بالنسبة للمتكلم.
وذلك مختلف تماماً ومناقض لقولنا: «تفضلتُ بزيارة فلان» الذي يعني أن فضلي تعدى إلى فلان بزيارتي له!! وهذا فيه نرجسية لاتخفى. ففي حال اللغة العربية فقد تشرفت بنزول القرآن بها ولا يعني ذلك بحال أنها أفضل بمعنى أكمل وأحسن من اللغات الأخرى ابتداءاً. من هنا حدث الخلط الذي تسبب في تضخم الأنا أو الغرور اللغوي عند العرب: خلط الأشرفية الاصطفائية بالأفضلية الذاتية.
اعتبار اللغة العربية أفضل اللغات على الإطلاق هو فرع من اعتبار العرب أنفسهم بجملتهم أفضل الأجناس وماسبق الكلام فيه عن اللغة العربية ينطبق كذلك على أمة العرب فهم أمة من الأمم شرفهم الله بآخر الرسالات السماوية (وإنه لذكر لك ولقومك) لكن هذا التشريف منطوٍ على تكليف ولذلك أتبعه فوراً بـ (وسوف تُسألون). فتشريف الله تعالى للعرب بالقرآن العربي ليس لأن نفس العرب أفضل من غيرهم، بل لربما قيل إنهم بسبب كونهم من الأمم المنحطة فقد اختارهم الله ليجعل من هذه الأمة المنحطة أمة شريفة برسالة سماوية معجزة وهذا من كمال الإعجاز الإلهي، لكن لن أذهب إلى هذا القول إنما المطلوب أن نعلم أن فضل العرب ليس ذاتياً وإنما هو بسبب اصطفاء الله تعالى لهم لحمل رسالة الإسلام، ويترتب على ذلك أن نتواضع للأمم واللغات الأخرى تحقيقاً لمقصد الشارع في تحقيق المساواة بين الناس والتفاضل بناءاً على التقوى فقط وهذا مرده إلى الله تعالى وبيانه يوم الحساب.
وقد تتبعت طرفاً من المنقول عن فضل العرب ولغتهم فلم أجد إلا إما نقول صحيحة غير صريحة أو صريحة غير صحيحة يُتعلق بها تعلق الغريق بقشة وتُجترّ بين الحين والآخر لهوىً في النفس، أو ربما تكون مجموعة نقول لأقوال منقوعة بالتفكير الرغبوي متهافتة مرسلة غير علمية لبشر غير معصومين تخلط كما أسلفت بين الأشرفية الاصطفائية والأفضلية الذاتية، والإفراط في نقل الأقوال يُعمي ويصم فليس القائل على أية حال بأعقل أو أحكم من الناقل إلا بقدر مايسلم الناقل له عقله فإن النقل غالباً مايكون حاجزاً أمام الوصول إلى الحقائق الموضوعية. الاستشهاد بالأقوال غير المعصومة لنصرة قول معين ليس حجة في ذاته كما هو مسلّم به نظرياً على الأقل، كما أن الاستشهاد بها لدحضها تؤثر على العقول الواقعة في أسر تلك الأقوال فتكون حاجزاً أمام تقبل الحق ولذلك فإني سأتوجه بالكلام باختصارعن قضايا عامة تُثار عند الحديث في هذا الموضوع. وسأبدأ بالمقطوع في ثبوته المنحول في دلالته!
أولاً: لو عدنا إلى آيات الكتاب العزيز وتتبعنا لفظ «عربي» لوجدنا أنه ورد إحدى عشرة مرة. وإذا نظرنا إلى سياقات اللفظ لوجدناها كلها بلا اسثناء جاءت بمعنى أن القرآن الكريم نزل بلغة عربية واضحة ناصعة مبينة يعرفها العرب ويفهمونها لكي يعقلوا مااحتملت من المعاني فتكون حجة عليهم ويتقون، وأُحيل إلى فطنة القارئ الحصيف وموضوعيته واهتمامه في الرجوع إلى تلك الآيات والنظر. ... يتبع.
د. رياض الدخيل - أستاذ اللسانيات المساعد بجامعة الملك سعود
aldokhayelr@