خذني إلى عيدي شهيدًا في بنفسجة الشهيد
عادوا, ولكن لم أعد..
خذني هناك إلى هناك من الوريد إلى الوريد
- درويش
لا أحد يهب الأعياد ولا يهديها, الأعياد نوافير فرح، تنبع من داخلنا قبل أن تحددها التقاويم، وقناديل الفرح نشعلها نحن ولا أحد يفعل ذلك لنا سوانا، وإلا لكنت أشعلت كل أصابعي قناديل عزاء لأمهات الشهداء وآبائهم وأرامل النساء وأطفالهم اليتامى الذين لن يصلهم العيد، ولكنت أعلنت لهم كل الأيام أعيادًا.. ومَنْ غيرهم يستحق؟ شهداؤنا الذين يولدون كل يوم لتضيء بهم الحياة.
لا عوض، لا عوض ولا تعزية لأوجاعهم، هؤلاء الذين تساقط ذووهم وأبناؤهم شهداء؛ ليكون لنا عيد أجمل ووطن أجمل وغد أجمل.. ولنكون بكاملنا كل ذلك الأجمل.
ونعرف يقينًا أن الوطن يستحق، ونعرف أن العزاء والقيمة الأسمى لهؤلاء الشهداء وذويهم انعقدت في السماء قبل الأرض، وأنهم راضون بما قسم الله، لكنهم محزونون جدًّا، ونحن معهم ومن أجلهم، ونعرف أي وجع يسكن ضلوعهم والعيد يقف على الأبواب، لكنه لن يعبر الأبواب.
ونحن لا نمتلك تحويل مواعيد الأعياد ولا مساراتها غير أنه باستطاعتنا «قليلاً» تخفيف الشعور بالفقدان عن هؤلاء الذين وهبوا أجمل وأنبل ما لديهم، ليس من خلال مشاعر التعاطف والشفقة عليهم، ولا مد الهبات والترضيات لهم، ولكن من خلال البذل أكثر من أجل وطن أكثر جمالاً، أكثر التحامًا.. وطن يليق بدم الشهداء الذين سقطوا مقبلين غير مدبرين، ولتغدو كل الأيام أعيادًا.
العيد سيصل لكن الشهداء لن يصلوا، والعيد سيعود ولن يعودوا، ولا فقد لعوض لمثل هؤلاء سوى أن نكون جديرين بهذا العطاء وبهذه الهبات وبهذا الوطن، وبكامل التقدير والتوقير لهؤلاء الذين مضوا للسماء.
وأنا هنا اليوم وأنتم وكلنا نأتي لنعايدهم قبل العيد، نعايدهم ونستلف منهم «قليلاً» الشعور بالفخر.. والاعتراف المطلق بما قدموا.. نعايدهم ونشاطرهم لا كما يفعل المعزون في المآتم، ولكن كما يفعل المهنئون في الأعراس، ونعترف لذوي الشهداء بأنهم اليوم أجمل منا وأكرم منا.. ولقد وهبوا الأرض أجمل أبنائها وأبنائهم، ووهبونا وطنًا مطمئنًا، ثم وهبونا الإحساس بالكرامة، وللأعداء كامل الخزي، والمجد والخلود للواقفين على حدود جنوب البلاد.
ويا عيد تأخرت قليلاً؛ فهؤلاء يصنعون لنا عيدنا كل يوم، وما الذي ستضيف لنا يا عيد؟
ويا أيها الأصدقاء في ذمتكم جميعًا أن تجعلوا العيد يخرج من منازل هؤلاء قبل أن يصل إلينا..
ويا عيد كن منصفًا أنت قليلاً، وابق هناك.. ابق لدى هؤلاء الذين بما وهبوا وقدموا جعلوا كل أيامنا عيدًا.
- عمرو العامري