في ظل المتاح من البرامج الشعرية ومسابقاتها التي تروّج لها بعض القنوات الفضائية التي اشترطت لها نمطاً محدداً من الشعر ربما عفا عليه الدهر في نظر بعضهم، بل رصدت لها الجوائز. لينطرح التساؤل: ماذا سيكرس هذا التحول الشعري نحو الجوائز؟ وعن دور المؤسسات الثقافية وبعض الكراسي البحثية الأدبية في الجامعات السعودية التي سعت في بحوثها إلى تنميط الأدب من حيث تقنين الشعر بنوع أو نوعين، دون النظر إلى ما عدا ذلك. هذا عدا المؤسسات الثقافية الخاصة والمجالس والصالونات الشخصية التي ترصد جوائزها وملتقياتها للقصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة وتتجاهل التجارب الشعرية الأخرى، وكأنها ترسخ لرفض متقدم لهوية الجيل الشعري الجديد الذي بدا متقناً لقصيدة النثر بفرادة واضحة من خلال ما ينشر من قصائد تدل على نضج تجاربه ووعيه. ولم نعد نرى طفرات أو موجات شعرية جديدة غير تلك التي تحتضن تجاربها التقنية لتتغير بذلك ملامح الاشتغال الشعري من قصائد حولية إلى قصائد تفاعلية. وقد لا يستطيع المتلقي التفريق بين ما هو قصيدة وما هوكتابة أو شذرة أو خاطرة . فهل تكمن عوامل تلك المعضلة في متلقٍ رقمي لم يعد يميز بين الشعر والنثر أم في شاعر لم يعد يتميز في شعره؟
ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي تتيح الفرصة للجميع بالتواصل والشهرة واكتساب القارئ التفاعلي بكثير من الوسائل الشكلية من خلال الحضور الرقمي وتكثيف نشر الوسوم في التويتر والانستغرام والتلغرام والفيس بوك فذلك هو ما أتاح للجميع أن يتصيد في بحيرة المتلقي ويستثمرجهله بالسرقة الأدبية والتلاعب بالخيالي واللفظي من الاقتباسات ونسبتها إليه، دون إدراك المتلقي تلك اللعبة وأحيانا إهماله لذلك بالإضافة إلى إمكانية الظهور بأسماء رقمية مستعارة مجهولة الهوية جعلت من اللعبة الأدبية أداة للدعاية والإعلام تروّج لنماذج شعرية هشة، بالإضافة إلى ذلك فقد كثرت الورش التي تدرب على التحرير الأدبي وكيفية كتابة القصيدة بكافة أساليبها ما جعل من الشعر نموذجاً محنطا يأوي إليه عطشى الوهم الإبداعي في كتابة الشعر الذين يتمنون أن يكتبوا الشعر مع تحول بعض الشعراء إلى مدربين على كتابة النص الشعري .
وهناك من يرى أن ضعف التلقي ومجاملته هي التي تقف وراء ضعف الاستقراء والنقد والتلقي. وهناك من يقول إن الوضع العالمي القلق سبب جوهري في صمت الشعر الذي صدم بأصناف من الإحباط السياسي والاقتصادي والإنساني والأخلاقي وافتقاد الهوية ليست المحلية فحسب، بل العربية أيضاً. وازداد الشاعر إحباطاً من المستوى المتدني لمن يديرون دفة الثقافة ومؤسساتها التي تعتمد على المجاملات والعلاقات الشخصية أكثر من أي شيء آخر ما حدا بالشاعر إلى اختيار السكوت عن القول الشعري وفي مقابل ذلك اتجه المتاجرون إعلامياً بالتشجيع ورصد الجوائز لمن يكتبون السيناريو والرواية وما إلى ذلك من السرديات ما دفع بالشعراء إلى الاتجاه إلى السرد بديلاً عن الشعر فهل تلك المرحلة نمط مؤقت من التصفية والانتقاء الذي سينتج تجاربه المتميزة بعد ذلك؟ سنترقب ذلك بكثير من التطلع والشغف.
- هدى الدغفق