تتبعت على مدى عشر حلقات سابقة المصطلح العروضي (رجل ) أو (أرجل) عند النقاد والمؤلفين العرب القدامى. وقد مر خلال ذلك الكشف عن معناه والتباين في فهمه لدى المؤلفين الذين تم استعراض نصوصهم، ولذلك لن أتوقف هنا عند المفهوم والدلالة ولكن أود إيراد عدد من الملحوظات والاستنتاجات:
أولاً: من الملاحظ أن ورود كلمة (رجل) أو (أرجل) عند المؤلفين العرب جاء من خلال فلاسفة نظروا في كتاب الشعر لأرسطو وترجموه، وتحدثوا عن الشعر اليوناني مثل: الفارابي وابن سينا وابن رشد.
ثانيًا: ورودها عند البيروني والصفدي جاء من جهة التعريف بالأمم الأخرى وأشعارها وعروضها وفي سياق التأليف في التاريخ.
ثالثًا: لا نجد للمصطلح ذكرًا عند النقاد حتى القرن السابع للهجرة؛ إذ مع جهد حازم القرطاجني ظهر المصطلح على استحياء وندرة، وهو كذلك متأثر بالفلاسفة، وخاصة ابن سينا، وورود المصطلح عنده يُفَسّرُ من هذه الجهة.
رابعـًا: المصطلح يغيب غيابًا كاملاً في كتب العروض العربية القديمة؛ فعلى كثرة ما بحثت وتتبعت من كتب العروض لم أجد له أثرًا لا في كتاب العروض للأخفش ( ت 215 هـ) وهو الأقرب عهدًا بالخليل ولا عند من ألفوا في العروض بعده (1) ، فإيلام يشير ذلك الغياب؟ وماذا يمكن أن نستنتج ؟ يمكن استنتاج ما يلي:
1 - بما أن كتب العروض القريبة عهد بالخليل وكل الكتب المؤلفة في علم العروض بعده لم يرد فيها مصطلح الأرجل فمن المؤكد أنه لم يرد عند الخليل في كتابه المفقود عن العروض؛ لأنه لو عرفه الخليل أو استخدمه لأشار إلى ذلك من جاءوا بعده واقتفوا أثره من المؤلفين القدامى، ولاسيما أنهم يتكئون على ما جاء عنده ويرددون مصطلحاته، ويبنون على ما أسس.
2 -النتيجة الثانية التي أحررها دون تردد هي أن هذا المصطلح لا يمت بصلة إلى علم العروض العربي، وهو وافد، ودليل غربته غيابه الكامل عن كتب العروض وعدم ظهوره عند المؤلفين والنقاد كذلك حتى القرن السابع للهجرة، وظهوره عند حازم القرطاجني في القرن السابع أيضًا جاء بتأثير الفلسفة الآخذة عن أرسطو، وهو ما يؤكد الغربة أكثر مما يضعفها !
3 -النتيجة الثالثة وهي الأهم أن دعوى معرفة الخليل بالأرجل عند الهنود وعند اليونان وأنها ألهمته فكرة التقطيع العروضي واكتشاف البحور تبدو باهتة ضعيفة، ولا يوجد أي سند علمي لها، فما دام أن مصطلح الأرجل على هذا النحو من الغياب في كتب العروض الأولى فكيف يستقيم القول بمعرفة الخليل بها ؟ إذ لو كان ذلك حقيقة ما حدث لربما أشار الخليل إليه، ولاسيما أن الخليل على خلق العلماء النادرة التي وصفه بها كل من ترجموا له. كما أنه لو كان ذلك الزعم له ما يسنده من وقائع أو وثائق لاستغله الحاقدون والحاسدون من حوله، وهم كُثُر، ولو كان ذلك مما هو معروف أو سائد لدى العلماء في عصره لفضحه حاسدوه. وليس هذا موضع الرد على هذا الزعم ، فذلك سيأتي لاحقًا في موضعه من الدراسة، ولكني أردت أن ألفت النظر إلى هذه المسألة ضمن عدد من النتائج والملحوظات حول التتبع العلمي الذي أنجزته على مدى الحلقات السابقة.
... ... ...
1 - ينظر مثلاً : ( كتاب في علم العروض ) لأبي الحسن العروضي (ت 342هـ )، و(الإقناع في العروض والقوافي) للصاحب بن عباد (ت 385هـ)، (كتاب العروض) لابن جني (ت 392هـ ) ، و(كتاب الكافي في العروض والقوافي) للخطيب التبريزي ( ت 502هـ) ، (كتاب البارع في علم العروض) لابن القطاع (ت 515هـ )، و(كتاب القسطاس المستقيم في علم العروض) لجار الله الزمخشري (ت 538هـ) ، وكتاب ( المعيار في أوزان الأشعار ) لأبي بكر الشنتريني الأندلسي ( ت 549هـ ) ، وكتاب ( العيون الغامزة على خبايا الرامزة ) للدماميني (ت 827هـ).
- د.فاطمة بنت عبدالله الوهيبي
Rafeef 2010@gmail.com