علي الخزيم
اختار الله سبحانه (عَرَفَة) للمشهد العظيم الذي يباهي به وبالحشود الوافدة من كل حدب وصوب ملبية باسمه موحِّدة له جل علاه.. يباهي بهم عند أهل السماء، وهذا ما ورد بسُنَّة المصطفى إذ قال عليه السلام: «ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء». ورُوي عنه في فضل هذا اليوم أنه يوم العتق للحجاج، ومباهاة الله - عز وجل - بهم. قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة»، وهو اليوم الذي أقسم به الله سبحانه دلالة على عظمته بقوله: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } (3) سورة البروج. ومن فضائله أن نبي الهدى قد اختاره يومًا لخطبته الشهيرة التي رسم فيها الحدود الإسلامية، وبيّن الحلال من الحرام، وأبلغ الناس بأمور دينهم، وسُمّيت خطبة الوداع؛ إذ إنه - صلى الله عليه وسلم - بدا وكأنه يودّع أصحابه - رضوان الله عليهم -. كما ورد أن صيامه احتسابًا يُكفِّر الذنوب العِظام، ويُعدُّ ذلك من أفضل وأجل نِعَم الله على عباده. ومن رواية مالك عن المصطفى قوله: «ما رُئي الشيطان يومًا هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة؛ وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام».
وعدّ علماء وفقهاء الأمة خطبة الوداع بمنزلة خطاب جامع وميثاق عظيم، وجب على أمة محمد العمل به واعتماده منهاجَ حياة وشريعة سمحة، تنشد لهم الخير والبركة في دنياهم وآخرتهم؛ إذ اشتمل على حُرمة الدماء والأموال والأعراض، وحرمة الربا والأخذ بالثأر، وعلى أداء الأمانة، وعلى مخالفة الشيطان، كما أكد حقوق النساء، والاعتصام بالكتاب وسُنة نبيه.
ودأبت حكومة المملكة منذ تأسيسها على بذل الجهود الكبيرة، وتنفيذ المشروعات العملاقة بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة خدمة للحجاج والمعتمرين وضيوف الرحمن. فالأرقام تتحدث عن مبالغ هائلة، يتم صرفها سنويًّا منذ عقود في هذا السبيل. وتحرص القيادة الرشيدة على متابعة خدمة الحجيج عن كثب، كما هي عادة صاحب السمو الملكي ولي العهد وزير الداخلية بتفقد جاهزية قطاعات الوزارة العاملة بالحج، والاطمئنان على اكتمال الخدمات لراحة ضيوف الرحمن. وهي خدمات تتكامل مع ما تقدمه الجهات الحكومية والأهلية كافة في هذا الاتجاه.
ومن الصور اللافتة تلكم المواقف الإنسانية التي يسجلها رجال الأمن العاملون بالمشاعر؛ إذ لا يألون جهدًا لخدمة الحجيج أيًّا كان جنسهم ولونهم.. فهم إخوة وضيوف على بيوت الله، وفي رحاب بيته العتيق، وعلى أطهر بقاع الأرض، تحفهم الطمأنينة والرحمة من الله. ثم أرقى الخدمات التي يجدونها تنتظرهم وبين أيديهم في كل ميدان ومجال بالمجان، ودون مِنَّة، بل إن كل فرد ومواطن في المملكة تتقدمه القيادة الرشيدة ممتنون بتشرفهم بخدمة ضيوف الرحمن، وهي شرف يتمناه كل مسلم صادق. وقد تحقق لنا ذلك بهذه الديار، وفيها أقدس البقاع، وأطهر المشاعر، فلله الحمد أولاً وآخرًا.