محمد المنيف
شدني العمل الفني الجميل الذي قام به الشاب الجندي أول علي بن فهد الشمري، أحد منسوبي سجون حائل، برسمه بورتريه للوالد القائد خادم الحرمين الشريفين على جبل في حائل، يطل على أحد المنتزهات الكبيرة.. أجزم بأن الفنان حينما قام بهذا العمل كان دافعه حب أبي فهد الذي يمثل الوطن بأكمله.. كأني به وهو يمرر فرشاته وألوانه على اللوحة يهم بتقبيل رأس المليك وجبينه.. يشعر بأنه يمر من خلال كل جزء من اللوحة إلى أبعد مساحة من الحب والشعور بالانتماء الوطني..
هذا الفنان وكثير غيره من الفنانين الذين يتسابقون على التعبير عن حبهم لهذه القيادة وللوطن لا يجهلهم من يتابع الساحة التشكيلية - وأنا منهم - عبر تجربة مباشرة معهم. هؤلاء لا يترددون في تقديم أعمال وطنية دون مقابل.. يقابلهم أيضًا عدد ليس بالقليل ممن يقدمون الكسب المادي؛ إذ يتشرطون ويشترطون القيمة المادية لأي عمل على وطني يطلب منهم قبل تنفيذه.. ومع أننا نقدر قيمة العمل الفني وقيمة خبرة الفنان، وأيضًا جهده، إلا أن كل ذلك لا يمكن أن يوازي أو يقارن بما يستحقه الوطن من الفنان.. وكثيرًا ما كابر أولئك الفنانون عند رغبة بعض الجهات في تكليفهم برسم لوحات وطنية أو تجميل مرافق حينما يدعون من منسوبيها بالتمسك بالقيمة المادية على حساب المساهمة الوطنية.
ولنا الكثير من المواقف التي كان لنا علاقة من خلالها بتنظيم مشاريع وطنية؛ لنكتشف الفارق الكبير بين فنان يهمه أن يكون حاضرًا ومشاركًا في مثل هذا الحدث، يجعل التفاهم على القيمة في آخر اهتماماته مقابل المساهمة الوطنية مقتنعًا بما يحدد من أسعار بناء على قدرات أو إمكانيات ميزانية من دعاهم للمشاركة؛ ليضيف فيه لمسة وطنية.. ومَنْ يرى في تلك الدعوة مكسبًا لا يمكن التفريط فيه طالبًا أعلى سعر، ومبررًا ذلك بما يراه عن نفسه من أن سعره في سوق الفن أصبح عالي القيمة، مع قناعتنا ومعرفتنا بما آلت إليه أسواق الفنون في العالم، فكيف هي في محيطنا. هذه الفئة لم تعد حاضرة في ذاكرة الكثير من المعنيين بالتجميل أو المكلفين باستقطاب فناني الوطن نتيجة ما زرعوه في الأذهان من طمع وجشع فيما يخص (الوطن) دون تدخل فيما يقرونه من أسعار لبقية أعمالهم.
والحقيقة، إن علينا أيضًا أن نرفع أيدينا تعظيم سلام لفنانين كبار، لهم خبرات وتجارب وتاريخ، يتسابقون على أي فرصة لتجميل مرفق أو مشاركة في مناسبة وطنية داخلية أو خارجية، لا يشترطون مقابلاً، ويرضون بالقليل مقابل مساهمتهم الوطنية حتى لو لم تغطِّ تكلفة العمل.. بهذا الفعل يبرز دور الفنان التشكيلي الحقيقي تجاه الوطن.
ومن المؤسف أن يجهل بعض الفنانين قيمة الأماكن التي تعرض فيها أعمالهم الفنية، فيفتقدون الفرصة نتيجة إصرارهم على رفع القيمة المادية.