يتبادر هذا السؤال دائماً إلى الذهن حينما نبحث عن حل لمشكلة ما, ثم نجيب تلقائياً بالنيابة عن الجامعات بالنفي, من دون أن نسمع وجهة نظر الأكاديميين, أو ندرس الموضوع بأسلوب علمي رصين.
والحقيقة، من وجهة نظري على الأقل أن الجامعات السعودية مقصرة في خدمتها للمجتمع, وللأسف إن أغلب تلك الجامعات اكتفت بتعليم الطلبة في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا؛ من دون أن تسهم في رقي المجتمع وتطوره وحل مشكلاته التي تواجهه, بالرغم من كونها بيوت خبرة تضم بين جنباتها علماء على درجة عالية من الكفاءة في تخصصاتهم, أو مفترض بأن يكونوا كذلك, ومع كون تعليمها للطلبة هو دور مهم بلا شك؛ إلا أن هذا الدور يجعلها أشبه ما تكون بمدارس ثانوية كبيرة, وهو ما يعني عدم تحقيقها لبقية الأهداف التي من أجلها أُنشئت هذه الجامعات؛ وعلى رأس تلك الأهداف خدمة المجتمع وتطويره, والمساهمة في حل مشكلاته.
ولو استمعنا لوجهة نظر مسؤولي تلك الجامعات لوجدنا - بلا شك - تبريرات منطقية عدة لعل من أهمها انشغال الجامعات بتطوير نفسها أولاً, فأغلب الجامعات تعاني من عدم مقدرتها على تطوير نفسها؛ فكيف تطور المجتمع بينما هي بحاجة لمن يطورها؟!.
وتعاني كذلك من عدم ثقة المسؤولين في مختلف القطاعات الحكومية بمقدرتها على تطوير تلك القطاعات وحل مشكلاتها, أو عدم تنفيذ توصياتها؛ فهي لا تملك السلطة على القطاعات الحكومية لكي تقوم بالتغيير والتطوير وحل المشكلات, أو إن مسؤولي تلك القطاعات لا يريدون من الجامعات أن تتدخل وتفرض توصياتها فيكونوا كالتابعين لها, وخير دليل على ذلك عدم استفادة مسؤولي وزارة التعليم من توصيات الدراسات التي تجريها الجامعات بالمئات كل عام!!. وأزمة الثقة هذه تحتاج لعلاج من أعلى مستويات الدولة.
ومن الخطأ الاستسلام لتلك التبريرات وعدم حلها, فالجامعات بيوت خبرة تمتلك طاقة مهدرة لم نستثمرها بالشكل الأمثل لخدمة المجتمع, وعلى المسؤول في دائرته والأكاديمي في جامعته المبادرة لتذليل كافة المعوقات التي تحول دون مساهمة الجامعات في تطوير المجتمع وحل مشكلاته, ويجب ألاَّ ينتظر أحدهما مبادرة الآخر؛ بل يجب أن يبدأ بنفسه ويجتهد في ذلك, وسيكون بالتأكيد للجامعات دور أكبر في ظل رؤية السعودية 2030م, والمسؤول الناجح أو الأكاديمي الذكي هو من ينال قصب السبق أولاً.
ولعل من أهم أدوار الجامعات التي يلزم أن تقوم بها تجاه المجتمع هو المساهمة بشكل فاعل في تطوير التعليم العام ورقيِّه وحل مشكلاته, وهو دور لن يكلّف الجامعات كثيراً, وسيعود عليها بالنفع الكبير. فلو قامت كل جامعة عندنا في المملكة بتطوير إدارة تعليم واحدة من خلال وضع الخطط والدراسات لتطوير إدارة التعليم تلك بكافة جوانبها من طلاب ومعلمين ومديري مدارس ومشرفين وموظفين ومبان مدرسية وإدارية وأنظمة ولوائح وغيرها, ثم ساهمت بتنفيذ تلك الخطط والإشراف عليها من خلال شراكة حقيقية بين الجامعة وإدارة التعليم, وبجهة إشراف عليا وهي وزارة التعليم؛ لتحققت نهضة كبرى للتعليم العام والجامعي معاً, وللمجتمع ككل.
ففي كل جامعة لدينا كليات تحوي أقساماً للدراسات الإنسانية والتطبيقية والصحية, وهذه الأقسام ستبدع حينما تركز على هدف محدد وواضح وهو تطوير وحل مشكلات إدارة تعليم واحدة؛ وهو ما سيجعل علماء تلك الجامعة باختلاف تخصصاتهم يجتمعون على تحقيق هذا الهدف, وسيوفر لهم ميداناً خصباً للتنافس مع زملائهم علماء الجامعات الأخرى من خلال تطوير إدارات التعليم وفق رؤية وفلسفة كل جامعة, كما سيتيح للجامعة اختيار الطلبة البارزين في إدارة التعليم تلك للالتحاق بالجامعة, وإعداد برامج لتطويرهم وهم لا يزالون في التعليم العام؛ وهو ما سيعود بالتالي على رفع مستوى التعليم الجامعي وتطوّر الجامعات كذلك. ومن خلال تحقيق تلك النتائج وغيرها سيتطور المجتمع ككل, وتتحقق التنمية. فهل ستبادر الجامعات لتطوير التعليم العام؟.