د. محمد بن إبراهيم الملحم
أول يوم دراسي في حياة الطفل هو إما يوم سعيد بذكرى تنطبع آثارها الإيجابية على نظرته للمدرسة والتعلم فيبدع، أو يوم مرعب لا تمحى آثاره السلبية بل تتمثل في كيانه مستقبلاً في العزوف عن القراءة والتعلم الذاتي وحفظ المعلومات وإعمال التفكير. وتعبير «الرعب المدرسي» لا يقبله كثير من القراء ولا ألومهم فتفكيرنا كراشدين لا يصل بسهولة إلى مستوى تفكير ونفسية الطفل وضيق أفقها فأحد الأطفال يسألك في موقف صعب: هل سوف نموت؟ التطرف هو طريقة الطفل في التفكير والجانب الوجداني يتقدم العقلاني دائماً.
صناعة الرعب المدرسي أبطالها طرفان: المدرسة والمنزل، فالوالدان ينقصهما الوعي اللازم لتهيئة الطفل ليوم المدرسة الأول فإما لا يبذلان الجهد أو يبالغان فيرتاب الطفل من الحدث الجديد. والأسوأ حالا هو الوالد الذي يحضر ابنه أو الأم التي تحضر ابنتها للمدرسة وقد أضمر البدء بالترغيب معقباً بالتهديد وهؤلاء يفرغ صبرهم سريعاً فيكيل الوعيد للطفل وينذره ألا يبكي وإلا سيعاقبه بالمنزل، وطبعا لا توجد قوانين مدنية بالمجتمع العام تحمي الطفل من هذا الجهل الأبوي والمعلم يحجم عن أن يتدخل بين الأب وابنه وكذلك مدير المدرسة، وهذا يأخذنا إلى الحديث عن الطرف الآخر لصناعة يوم الرعب المدرسي فالمدرسة لا تعنى أصلا بالجانب النفسي فالمعرفة التي يمتلكها مديرو المدارس والمعلمون قاصرة في أحسن حالاتها على طرائق التدريس واستخدام الوسيلة أما علم النفس النمائي الذي يقدم معلومات حول خصائص كل مرحلة عمرية وكيفية التعامل معها فهو في آخر أولويات الاهتمام.
من الممارسات الدولية المميزة حضور الطفل تدريجياً للمدرسة ففي اليوم الأول مجرد جولة على المرافق مع والده ثم يغادر فوراً وفي الثاني جلسة مرح بحضور والده لا تتجاوز ساعتين وفي الثالث أربع ساعات يشترك الوالد في نصفها وفي الرابع يندمج تماماً ومثله مطبق لدينا بتعليم البنات بل لا تحضر الطالبة اليوم الأول لانشغال المدرسة بتهيئة بقية الصفوف ويبدأ تدرج الحضور كما تقدم من اليوم الثاني، وفي مدارس البنين اليوم الأول للدراسة يسمى يوم التهيئة يجمع فيه كل طلاب السنة الأولى متضمنا ألعاباً وعروض فيديو وهو محاولة جيدة لكن أحيانا تصبح هذه مشكلة أكثر منها حسنة إذ يمثل العدد الضخم من الطلاب وكذلك أولياء الأمور الحاضرين أمام الطفل مصدر تهديد، خاصة أن أولياء الأمور لا يحظون بلقاء تعريفي مسبق يبين لهم فيه ما ينبغي عمله وما لا ينبغي، بعض الآباء يقول كلاماً سلبياً أحياناً أو يغمز لابنه غمزات تهديد وهي تعمل أيضاً مع غير ابنه فالأطفال يراقبون. كذلك لا يقدم هذا البرنامج الارتجالي حلولاً للحالات الخاصة فعندما يبكي طفل لا ينبغي بقاؤه بالقاعة بل يأخذه والده إلى مكان آخر مخصص لهذه الحالات فلا يتسبب في إثارة بكاء طفل آخر وثالث.. هناك كثير من الملاحظات المشابهة لن يتسع لها المجال بالإضافة إلى عدم توفر برامج تدريب مخصصة لهذا اليوم فالمعلمون يرتجلون باجتهادهم، لذا ينبغي أن تقنن الوزارة الأمر في قالب ملائم يأخذ الطفل إلى عالم المدرسة بطريقة جميلة، فيكون هناك حزمة متكاملة من الأدلة والتدريب والتقييم، وهنا أتساءل أيضاً: ما هي دراسات الوزارة في هذا الصدد وكيف استفادت أيضاً من الدراسات البحثية في الجامعات لرصد هذه الظاهرة وكذلك أفضل الممارسات الدولية والمحلية؟