فضل بن سعد البوعينين
مع كل قضية أمنية مرتبطة بالداخل أو الخارج تبرز حاجة المملكة لاستراتيجية إعلامية أمنية كفؤة تستبق الأحداث وتتعامل مع المستجدات بطريقة احترافية مؤثرة. لا خلاف على أهمية وجود استراتيجية إعلامية وطنية شاملة؛ تشكل المظلة الكبرى لاستراتيجيات فرعية متخصصة تتناغم في مخرجاتها مع الأهدف الوطنية الرئيسة؛ غير أن عدم وجودها لا يبرر التعامل غير الاحترافي مع القضايا الأمنية الحساسة؛ وبخاصة قضية الحج الكبرى والأمن الوطني.
تاريخيًا؛ ارتبطت قضايا الحج الأمنية بإيران الخمينية والخامنئية؛ وستستمر ما بقي نظام «الولي الفقيه» هناك. وعلى الرغم من جرائم النظام الإيراني في مواسم الحج؛ وآخرها جريمة التدافع المتعمدة في منى العام الماضي؛ يرتفع صوت المجرم الظالم عالميًا، ويتوارى صوت الحق بسبب منظومة إيران الإعلامية الممارسة للدجل والادعاءات الجائرة. يعتمد الإعلام الحديث على الرسائل الإعلامية المتقنة؛ والوسائل المؤثرة؛ بغض النظر عن حقيقة المحتوى وصدق الرسالة. فإذا التقى الصدق بالاحترافية أحدث الأثر المأمول؛ وإن غابت الاحترافية غاب معها التأثير؛ وتفوق الباطل على الحق باحترافية مروجيه؛ لا دقة محتواه.
الأمر عينه ينطبق على الأمن القومي الذي لا يخلو من قضايا حساسة يستوجب التعامل معها الكثير من الاحترافية العلمية والعملية وفق استراتيجية متقنة محددة الأهداف وواضحة المعالم؛ تلتزم بها الحكومة ويناور من خلالها وضمن إطارها الوزراء؛ والسفراء والإعلام؛ وبما يضمن توحيد مضمون الرسالة الموجهة؛ وإن اختلف إطارها الخارجي ووسيلة إيصالها. يمكن للإعلام أن يشكل خطرًا محدقًا إذا لم يتم التعامل معه بكفاءة؛ ووفق معايير الأمن الوطني. الإعلام الأمني في حاجة ماسة إلى الرسالة المتوافقة مع الرؤية الوطنية؛ والداعمة لجهود القطاعات الأمنية المجندة لحماية الوطن والمواطنين.
يفترض أن يكون تعاملنا مع الأمن القومي وفق رؤية إعلامية شمولية منضبطة؛ وألا يسمح للهواة والمتحمسين بممارسة التخطيط له؛ أو التصدر لقضاياه الحساسة؛ وهو أمر يصعب تحقيقه في غياب الاستراتيجية الشاملة؛ والجهة المسؤولة عن تنفيذها ومراقبة مخرجاتها لضمان تحقيق الأهداف.
قضايا الحجاج الإيرانيين؛ وخطابات خامنئي العدائية ما كان لها أن تستمر لولا دبلوماسية الصمت؛ وخفوت صوت الإعلام الخارجي الذي عجز عن الدفاع عن قضايانا العادلة ومواجهة أكاذيب النظام الإيراني وحملاته المسعورة. كم من الجرائم الإيرانية التي حجبت تفاصيلها عن الإعلام الدولي المتعطش للقضايا الحساسة والمؤثرة. وكم من الجرائم التي بقيت في ملفاتها دون إدانة دولية تردع مرتكبيها عن تكرار جرائمهم مستقبلاً.
قد يخسر المحامي الضعيف قضاياه العادلة؛ في الوقت الذي يكسب فيه المحامي المحترف قضايا الكذب والإجرام الفاضح؛ أنه قانون الكفاءة الذي يحكم العالِمَ لا قانون العدالة الأفلاطونية. قضية الحجاج الإيرانيين؛ جرائم النظام الإيراني ضد المملكة؛ إرهاب القاعدة الموجه من إيران؛ حرب تحرير اليمن؛ قضية تصدير الإرهاب؛ داعش ومحاولة إلصاقها بالسعودية؛ شيطنة (الوهابية) وتحويلها إلى فزاعة عالمية؛ الطائفية التي دندن عليها أعداء الأمة في الداخل والخارج؛ جميعها ملفات ملتهبة فشلنا في التعامل معها بكفاءة رغم سلامة وعدالة موقف المملكة. برغم أعمال النظام الإيراني الإرهابية؛ وصعوبة تحسين صورته المشوهة؛ إلا أن منظومته الإعلامية والإعلام الغربي المتواطيء؛ والمخترق؛ نجح في إضفاء الملائكية على إيران المجرمة؛ وشيطنة السعودية.
لن تغير بكائيات الإعلام من وضعنا القائم شيئًا؛ بقدر ما يحدثه التخطيط الأمثل للمستقبل؛ والتعلم من أخطاء الماضي. نحن في أمس الحاجة لاستراتيجية إعلامية قومية احترافية قادرة على مواجهة المخاطر؛ وردع الحملات الإعلامية الموجهة من الغرب والشرق؛ ومن نحسبهم من الأشقاء!.
نحن في أمس الحاجة إلى ضخ استثمارات نوعية في الإعلام الخارجي ومراكز البحث للتأثير على الرأي العام؛ ومتخذي القرار؛ ومواجهة الحملات الإعلامية الموجهة ضد السعودية. أسهمت قناتا العربية والإخبارية في إيصال الصوت السعودي؛ والدفاع عن قضايانا العادلة. وعلى الرغم من كفاءتهما إلا أننا في أمس الحاجة إلى خلق قنوات تلفزيونية وإذاعية موجهة؛ والتغلغل في القنوات الأجنبية ومراكز البحث واستمالة المؤثرين عالميًا لخدمة قضايانا العادلة.
لا أعتقد أننا في حاجة إلى التذكير بقدرات المملكة المالية؛ وعلاقاتها الدبلوماسية؛ وقدراتها الاحترافية. غير أننا في أمس الحاجة إلى الإيمان بقدرة الإعلام المحترف ومراكز البحث على تحقيق الحماية التامة للمملكة في مواجهتها الحملات الإعلامية والتقارير الاستخباراتية والدراسات البحثية التي تؤسس لذريعة التدخل أو المواجهة المستقبلية مع السعودية.