بدعوة كريمة تلقيت من الأستاذ الفاضل إبراهيم بن حمد العدوان -أبو خالد- أحد طلاب دار التوحيد بالطائف لحضور حفل زواج نجله الشاب الأديب بدر بنادي ضباط قوى الأمن على دائري الشرقي بالرياض مساء يوم الأربعاء ليلة الخميس 21-11-1437هـ، وقد كرمني وألزمني بالجلوس عن يمينه في استقبال المسلمين والمباركين.. وكان حفلاً مباركاً حافلاً بحضور الكثير من طلاب الدار، معظمهم من مدينتي شقراء ومرات، ومعارفه كثيفي العدد، وكل فرد من أولئك الطلاب يعرفني بنفسه قائلا: أنا كنت من طلاب دار التوحيد بالطائف، وقد تغيرت ملامحهم وعلاهم المشيب بتقادم العهد ومرور السنين، مع احتفاظهم بالحيوية ونظارة الوجوه، ولسان حال البعض منهم يردد في خاطره تحسراً على ترحل الشباب وأيامه الجميلة التي قضوها في ربوع الطائف وأحضان -أم المدارس-:
ويا ظل الشباب وكنت تندى
على أفياء سرحتك السلام
وقول آخر:
وما ماضي الشباب بمسترد
ولا يوم يمر بمستعاد
وكل طالب عاش في أحضان دار التوحيد وجال في أحياء (قروى) ومرح في ميادينها الفسيحة له مكانة عالية بين الجوانح والقلب، فهم بمنزلة الأشقاء حباً وتقديراً وكان حفل زواج الشاب بدر بن إبراهيم مناسبة سعيدة في تذكر أيامنا المباركة في مدينة الطائف عامي 71 و72هـ، والدار جامع لنا في تلك الحقب البعيدة، وقد أعقب ذلك رحيل المعلمين الأفاضل فطاحل علماء الأزهر، ومديرنا الحبيب الشيخ عبدالمالك طرابلسي وغياب معظم طلاب فصلنا تحت طيات الثرى -رحم الله الجميع- وأسعد من تبقى منا على ظهرها إلى اليوم الموعود إلى دار النعيم المقيم برحمة الله وفضله، ولا أزال مترحماً عليهم (بعُدوا وحَنّ إليهم القلب) فأيام الغربة تؤلف بين كل الأفراد من الطلبة المغتربين عن أهليهم، وعن أوطانهم مهاوي رؤوسهم ومدارج صباهم وتُخفف من وحشة البعد سواء خارج الوطن أو داخله:
ما من غريب وإن أبدى تجلده
إلا تذكر عند الغربة الوطنا
وقول الآخر:
المرء يسرح في الآفاق (مغترباً)
ونفسه أبدا تهفو إلى الوطن
فما أحلى تلك الأيام في نواحي الوطن وأجملها، وكنا نقضي أوقات فراغنا بعد مذاكرة دروسنا في فرح وسعادة، وفي مزاولة بعض الأنشطة الرياضية في هاتيك الميادين الرحبة غربي مواقع مباني الدار بحي قروى وتسلق تلك الجبال المواكث المطلة على وادي وج وعلى بساتين المثناة الحافلة بألذ الفواكه وأحلاها -آنذاك- وذلك في الآصال وقبيل دنو غروب الشمس في خدرها كما كان البعض منا يقضي الإجازة الأسبوعية في رحاب بيت الله الحرام بمكة المكرمة، أو في رحلات جماعية في نواحي مدينة الطائف مثل شعيب الخرار وبعض الأودية...., أو بغابات شعيب عشيرة الواقعة شمال الطائف، فنحيي تلك الليالي المقمرة بالمسامرات الأدبية والمساجلات الشعرية، لتجديد الأنشطة الذهنية وإثراء المحاصيل الأدبية والثقافية وأحياناً نقضي بعض الوقت في التسابق بالدراجات العادية -السياكل- فنجد في ذلك متعة جميلة، أذكر جيداً أني قد اشتركت مع الزميل الراحل سليمان المضيان
-رحمه الله- في شراء سيكل بستين ريالاً مناصفةً لقلة المادة لدينا -آنذاك- وكانت خالية من الإضاءة ولا نستعملها إلا نهاراً! وقد تعلمنا عليها القيادة، كما أذنّا للطالب النجيب عبدالعزيز بن عبدالمنعم أحد طلاب الكفاءة بدار التوحيد أن يتعلم عليها معنا فترة وجيزة، فأفضاله علي لا تنسى، فقد كان يعطيني بعض الدروس في مادة النحو قبل بداية الحصة الأولى مع تشجيعه لي بإعداد كلمة ألقيتها بنادي الدار عام 1372هـ، ومساعدتي في تحسين خطي وما زلت محتفظاً بذلك الدفتر والتعاون والتآلف من سمات طلاب الدار في تلك الحقبة البعيدة.. فأجواؤنا في تلك الأزمان أجواء جدٍ ونشاط وراحة بال، ولكن سرور الدنيا لا يدوم أبداً، فقد غيّب معظمهم عن نواظرنا هادم اللذات في باطن الأرض، ولم يبق من تلك الأيام والليالي الحلوة سوى رنين الذكريات، وتصور أشخاصهم وأزوالهم في أذهاننا إلى يومنا هذا، حيث بقيت وحيداً بعدهم مع عدد قليل جداً من الزملاء الفضلاء، ولقد أجاد الشاعر الذي يقول:
إذا ما مضى الجيل الذي أنت منهم
وعمّرت في جيل فأنت غريب
ويقول آخر:
فإن تكن الأيام فرقن بيننا
وقد جمعتنا والأحبة دار
ستبقى لكم في مضمر القلب والحشا
سريرة ودٍّ يوم تبلى السرائر
وعلى أي حال لا يسعني في ختام هذا المقال الوجيز إلا أن أكرر شكري وتقديري لأخي الكريم الأستاذ إبراهيم بن حمد العدوان -أبو خالد- على حفاوته ودعوته لحضور حفل زواج نجله الشاب الأديب بدر، لتجديد اللقاء مع من تبقى من زملاء الدراسة القدامى بدار التوحيد في الطائف، متمنياً للجميع التوفيق والسداد.
- حريملاء