بعد انتقاله بداية الثمانينيات من القرن الهجري الماضي إلى بلاد بعيدة جداً عن ديار قومه وأهله, انتابه هناك - كغيره من الناس - شعور بالغربة لابتعاده عن موطنه وبيئته ورفاقه. وبعد مرور سنوات, وما إن هزّه الحنين بالعودة إلى حيث ارتباطه بالمكان وعلاقته بالرفاق, حتى أبدع الشاعر المخضرم ماجد بن سفر الذيابي بكتابة القصيدة التالية، موضحاً فيها حالة الغربة التي شعر بها هناك وصعوبة التأقلم في بيئة تختلف عما اعتاد عليه. وبالتالي فهو يناشد صاحبه, ان يسجل ويبعث بالرسائل البريدية أملا في ان يتلقى منهم جوابا يتضمن اخبارهم وأحوالهم. كما يسأل الله سبحانه أن يعينه ويزيل عنه الهم والكدر ويعيده إلى دياره وقومه.
ومن هنا نرى في القصيدة صورة أدبية تعكس قوة جاذبية المكان وارتباط الإنسان بأرضه التي نشأ عليها ومجتمعه الذي أكسبه العادات الأصيلة ولوّنه بالقيم النبيلة.
في القصيدة يقدم لنا الشاعر وصفاً دقيقاً للمكان الذي نشأ وعاش فيه مرحلة طفولته وشبابه، موضحاً لنا أوصاف هذا المكان واتجاهه بالنسبة لمحافظة الطائف, ثم يقدم لنا صورة أدبية مفعمة بقوة المشاعرالعاطفية تجاه قريته وأهله ورفاقه إضافة الى وصف بعض التقاليد وملامح الحياة في تلك المنطقة. فالشاعر يصور لنا من خلال القصيدة تلك الحالة الإنسانية المعبرة عن اشتياقه لقريته ومجتمعه.
أنه يتأمل ويتذكر ويستعرض ما تختزله ذاكرته من مشاهد يعبر عنها في القصيدة بالرموز المكانية كالآبار والمزارع ومنازل الحي. وهي رموز عاش حولها الشاعر وارتبط بها ارتباطا وثيقا حيث تشكلت علاقته وارتباطه بها الى الحد الذي جعله متعلقا بها وراغبا في العودة اليها. ومن هنا تكون معاني القصيدة صادقة ونابعة من الإحساس بتلك المعاناة المتمثلة في حالة الاغتراب والبعد عن الأرض والمجتمع, فيقول:
بديت باسم الله جلّ جلاله
الواحد اللي يعلم السر والغيب
لجّ الضمير وقال مما طرى له
امثال ما فيها نقادة ولا عيب
معناي للعرّاف بيّن مجاله
ولا ني من اللي يشذبون العراقيب
يا مثيب سجّل للجماعة رسالة
عسى يجينا ردّها عجل يا مثيب
خص السلام لمدركين الجمالة
ويقصر عن اللي ما يعرف المواجيب
اشرح لهم يا مثيب عن كل حالة
وضح لهم خط القلم بالمكاتيب
يا هني من قلبه عن الود داله
ومن الهوى ما واق رووس المراقيب
ما واق بالمرقاب عصرٍ لحاله
من دون صنعاء بالجبال الشناخيب
بالوادي اللي لا سقى الغيث جاله
وادٍ هله ما يلبسون الاساليب
الكل منهم رابط له زماله
واليا اصبحوا راحوا عليها جناديب
وقلبي كما غصنٍ بعالي سياله
تقفي وتقبل به هبوب الملاهيب
يالله ياللي كل حيّ يساله
يا فارج الكربات عقب التصاعيب
تفرج لمن قلبه تزايد جفاله
كنّه يقالب فوق جمر المشاهيب
من ود حيّ شف قلبي واماله
من ودّهم صاب الضماير لواهيب
حيٍ ورى الطايف حدورٍ شماله
وشرق الجبال اللي بها برقة الذيب
علي البيار اللي تصارخ محاله
ومكاينٍ تسقي غروسٍ مهاديب
دارٍ عذا فيها تمشى الكحالة
بنت الرجال مكملين المواجيب
تسقى من الودّان تسعين لاله
وعقبه ثمان ايام ري وتشاريب
العشب يكثر به ويسمن حلاله
وشيب الجزم تملا كبار المحاليب
ومن له ريالٍ دين يعطى رياله
وتسير بالمجلس سوالف هل الطيب
وصلاة ربي عد ما انشا خياله
على النبي يا عارفين التحاسيب
- منصور ماجد الذيابي