هدى بنت فهد المعجل
كثيراً ما تتولى قناة فضائية (ما) مهمة استطلاع آراء الجمهور حيال قضية من القضايا.. وتكون تلك القضية ذات أثر في المجتمع إما حسنا.. وفي الغالب سيئ.. ولأن الرأي يعرض فضائياً فإن المشارك سيضطر للظهور برأي مثالي، مثالي بحت كأنما نحن مجتمع منزه من العيوب مبرأ منها..!!
فلماذا الإصرار على العزف على سيمفونية (الدخيل على مجمعنا) رغم أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية أتت على ذكر كثير منها ووقفت عليها كونها قضايا ينبغي الالتفات إليها.. لسنا مجتمعاً مثالياً.. وليس ذنباً أننا نخطئ؛ حيث إن الخطأ وارد من أي كائن كان.. الذنب ألا ننتبه لخطأ اقترفناه.. ولا نحاول تصحيحه بعد الانتباه.
لماذا أغلب القنوات الفضائية تصر على تقديم المجتمع الذي ينتمي إليها أنه مجتمع مالي.. أفراده مثاليون نساء ورجالاً وأطفالاً.. فإذا سافر أولئك الأفراد إلى دول ومدن ومجتمعات أخرى اكتشفت تلك الدول والمدن أن التصور الذي تكوّن لديهم مشوش، ومشوش جداً قياساً بما يرونه أمامهم من نماذج حية خارج دائرة الشاشة الفضائية المغلقة والمنغلقة عن حقائقنا أو المغلفة لها بغلاف قاتم، قاتم جداً.
وكم يبهجني تقديم الشخص لنفسه بصورته الحقيقة النزيهة أو المتسخة بالشوائب.. وإن كان قلة من يفعل ذلك أو يجرؤ عليه.. حيث إن الأغلب مبتلى بداء (النرجسية) وهي مدح النفس والثناء الدائم عليها.. فالأسطورة اليونانية تمكنت من أخذ حيز لا بأس به في مجتمعنا فهل سنسمع يوماً ما عن من يكرر ما فعله ذلك الشاب الذي كان يجلس أمام بركة ماء فأعجبته صورته فظل ينظر إليها حتى مات فالنرجسي معجب بنفسه أشد الإعجاب؟ أمراض المجتمع والعصر مثلها مثل أمراض الجسد لا وطن لها ولا مستقر.. يعتل الجسد اليوم.. ويصحو غداً.. فإذا اعتل عمدنا إلى تطبيبه.. أما إذا استقر حمدنا الله.. وهناك عوامل تساهم في طول عمر العلة.. وامتداد أمد الاستقرار.
أما أن نستبعد وقوع العلة في الجسد فهذا من المستحيلات التي لا يستطيعها سوى الخالق (سبحانه). بل إن مدح النفس وتنزيهها ومثاليتها من أمراض الجاهلية التي ندعي أننا تجاوزناها، وفي الحقيقة لم نتجاوزها بعد..!!
الأب أنكر على ابنه تصرفاً سيئاً ويجعل نفسه مقياساً للمثالية والسلامة من العيوب.. دون أن يترك لابنه فرصة اكتشاف مثالية والده.. هذا إن كان مثالياً..!
الأب يريد ابنه أن يكون نسخة منه.. والأم تريد أن تكون ابنتها نسخة منها.. فطالما أن الآباء كلهم مثاليون.. والأمهات كذلك..!! من الذي اقترف جريمة أكل الفاكهة المحرمة التي تسببت في طردهم من الجنة..؟!