أمل بنت فهد
أحب الصالحين ولست منهم.. المدخل العظيم لحيلة الاستشراف التي يمارسها الإنسان ويحطم احترامه لذاته.. ويغطي بها على الصراع الداخلي في نفسه التي لم يفهمها.. ولو سألنا من هم الصالحون؟ وما هو ميزان الصلاح المقصود؟ ومتى يكون الإنسان صالحاً؟ ولأي شيء صلاحه؟ وإن حصل ووجدنا الخلطة الغامضة للصلاح واستطعنا فك شفرة الصلاح.. ماذا نسمي البقية؟ فاسدين أم غير صالحين للاستخدام الآدمي! إنها علة التصنيف التي يلجأ إليها الإنسان عندما يجهل الطريق ويتوقع النتائج دون دليل.
لكل إنسان رغبات وغرائز وجانب مظلم خاص به.. تختلف الرغبات.. وكذلك كيفية تعاطيه لها والتعامل معها.. لا أحد خالٍ منها إلا ملاك مجرد من غموض الإنسان وجنونه.. فإن كان الصلاح الذي يتغنّى به المستشرف القدرة الخرافية على التخلص من الرغبات المحرّمة.. فإن هذا الإنسان غير موجود على سطح الأرض ولا أي مكان.. وإن كان المقصود الحد الأدنى من الممارسة.. فإنها أسرار ليست للنشر ولا للتقييم.. لذا يصعب فهم الصلاح الذي يتحدث عنه الكثير ولا نعرف له بداية أو نهاية.. ولا كماً ولا حجماً.
من هنا نفهم صراحةً أن الإنسان الصالح المقصود هو الذي لا نعرف تجاوزاته.. ولا ذنوبه.. ولا أخطاءه.. ولا نرى منه إلا الإطار الذي رسمه لنفسه أياً كان.. مجرد شكليات تعلقنا بها ونراهن عليها.. ونصطدم بها ليل نهار.. ولا شك أنه رهان خاسر ندفع ثمنه عندما نمنحه ثقة غالية على مبدأ هيئته والشكل الذي اختاره!
الصلاح الحقيقي.. والشرف الواضح.. يكون في تعاملات الإنسان مع الآخرين.. مع البشر والحيوان والبيئة بكل تفاصيلها.. وليس تعامله مع نفسه وقدرته الفذة على التستر على ذنوبه الخاصة.
أن يكون نزيهاً.. حنوناً.. صادقاً.. عادلاً.. أميناً.. معطاءً.. شجاعاً.. ووو.. إلخ وكل ذلك يمكن أن نعرفه ونلمسه ونستطيع أن نضع له ميزاناً واقعياً.. أما هيئته وحديثه فهي ديكور ولمسات يضيفها ولا يمكنها أن تقدّم لنا حقيقة واحدة عنه.
وفي جانب أكثر عمقاً وهراءً.. فإن الاستشراف حيلة الإنكار.. فالذي ينال من الآخرين وسلوكياتهم وأسرارهم.. هو يقول ويعلن أنه شريف! طاهر! كأنما ينفي عنه تهمة لم توجه إليه.. لكنه يعلم يقيناً أنه ليس بذاك الطهر.. ويدرك أن الموضوع بجملته أنه في الظل ولم يره أحد والآخر لسوء حظه تحت الضوء.
باختصار.. نحتاج أن تكون معرفتنا مبنية على حقائق ووقائع.. أن ندرك شكلية وتفاهة المظهر.. وأن يكون منح الثقة والتقدير والاحترام على مبدأ الواقع والمعايشة والتعاطي والمواقف وليس الخيال المبني على التصنيف.