د. محمد بن يحيى الفال
ليست هناك رحلة في تاريخ الإنسانية الغابر أو المعاصر استطاعت أن تُلهب أحاسيس الناس وتثير مشاعرهم دهشة وإعجاباً كما استطاعت شعيرة الحج أن تفعل، وذلك بغض النظر عن دياناتهم وأصولهم العرقية. ومن شدة انبهار حتى غير المسلمين بهذه الرحلة العظيمة وتأثرهم بها أضحى اسم مكة المكرمة شرفها الله مصطلحا في اللغة الانجليزية يستخدم للإشارة للوجهة التي لا مثيل ولا نظير لها. رحلة الحج التي غيرت وبإيجابية وعبر تاريخها وما تزال مفاهيم ونظرات الكثير من الشخصيات عن الحياة وجعلت منهم قدوة للآخرين بهدف تعزيز القيم والروابط الإنسانية. وقائمة الشخصيات العامة والمعروفة والتي غيَّر الحجُّ حياتَهم كثيرة لا تعد ولا تحصى ومنها على سبيل المثال: اليهودي النمساوي ليبولد فايس الذي أنعم الله عليه باعتناق الإسلام ليصبح محمد أسد ويكتب رائعته الشهيرة الطريق إلى مكة «The Road TO Makkah»، والتي هي بمثابة سيرة ذاتية له يسرد فيها كيف اعتنق الإسلام ويصف فيها بأسلوب أدبي رفيع رحلتَه للحج. ومن الشخصيات التي تأثَّرت بالحج الملاكم الأمريكي الأسطوري محمد علي الذي كان لتأديته فريضة الحج وقعٌ على حياته جعله متمسكاً ومنافحاً عن الإسلام، وغيَّر بأسلوبه المميز وبشخصيته الجاذبة الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامي في أمريكا حين كان غالبية الأمريكيين في فترة الستينات والسبعينات من القرن المنصرم بالكاد يعرفون عن الإسلام النزر القليل. كذلك فمن الشخصيات التي تأثرت برحلة الحج أيما تأثير داعية الحقوق المدنية الأمريكي مالكوم أكس «Malcolm X» ابن القس المسيحي وتاجر المخدرات وليتحوَّل من شخص هامشي إلى واحد من أهم دعاة الحقوق المدنية الأمريكيين وذلك عندما اعتنق الإسلام وتسمَّى باسم مالك شاباز، وبعد تأديته فريضة الحج غيَّرت الرحلة كليةً مفاهيم الكراهية والعنصرية التي كان يحملها ضد البيض بسبب اضطهادهم للسود في الستينات، وهو صاحب المقولة المشهورة «لم ننزل على صخرة بليموث، بل صخرة بليموث هوت علينا»، «We Didn›t Land On Plymouth Rock, Plymouth Rock Landed On Us»، وكان المهاجرون الأوائل القادمون لأمريكا يفرحون ويستبشرون برؤية صخرة بليموث القريبة من ميناء نيويورك، حيث كان ذلك يعني لهم بأنهم قد وصلوا لبر الأمان بعد رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر عبر المحيط الأطلسي الفاصل بين أوروبا وأمريكا. واشتهرت عبارته السابقة وهو الخطيب المفوه بين اأمريكيين السود والتي أضحت وسماً لمدى معاناة السود من العنصرية حينها. ولكن ما رآه في الحج بعينه من الأخوة الإنسانية والوحدة والتآخي بين الناس باختلاف ألوانهم من بيض وسود وغير ذلك فعاد لأمريكا بعد تأدية فريضة الحج بقناعة بأن العنصرية في أمريكا ليست بسبب اللون ولكن بسبب ما تحمله بعض عقول البيض من كره للسود.
ما سبق أمثلة ناصعة مبشرة وليست منفرة لما للحج من قوة تآخٍ بين الناس في أيام معدودات، قوة تعجز كل أيدلوجيات وفلسفات وأنظمة العالم على فرضها، هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة المليئة بسماحة ورحابة وبساطة دين الحق لم تسلم من مؤامرات دولة الملالي عليها. فقائمة مؤامرات الملالي معروفة ولا تعد ولا تحصى حتى أضحى المسلمون ومع حلول موسم كل حج يسألون الله عز وجل أن يبعد شر ومكر دولة الملالي عن ضيوف الرحمن الذين جاءوا من كل أصقاع العالم تلبية لنداء أذان الحج. أمثلة جرائم دولة الملالي لتعكير صفو أمن الحج وضيوف الرحمن من الحجاج كثيرة ومتعددة وموثقة، وهو الموسم الذي أكدَّ فيه المولى عز وجل وهو العالم بشؤون عباده بعدم جواز الجدال والفسوق فيه، ففي موسم حج 1406هـ حطت طائرة حجاج إيرانية تقل 110 من الحجاج الإيرانيين ومن خلال التفتيش المعتاد والذي يتبع في كل مطارات العالم كانت المفاجئة بأن حقائب كل الحجاج 110 وبدون علمهم احتوت على مخازن سريه خبِّئ فيها كميات ضخمة لمواد كيمائية شديدة الانفجار، وكانت هذه العملية الإجرامية الدنيئة تهدف إلى القيام بسلسلة تفجيرات بمكة المكرمة من أجل أن تتبجح دولة الملالي بأن المملكة غير قادرة على تأمين شؤون الحج. ولم يمر عام بالكاد على هذه الجريمة حتى شهد موسم عام 1407هـ جريمة أخرى بشعة من جرائم دولة الملالي لتشويه صورة هذا الموسم العظيم، حيث قام جمع من الحرس الثوري الإيراني الذين جاءوا بصفة كونهم حجاجا إلى القيام بمظاهرات عارمة في مكة المكرمة مستخدمين الأسلحة البيضاء ومشعلين حرائق في المباني العامة قرب الحرم المكي الشريف، وزهقت أرواح 402 إنسان بسبب هذه الجريمة الحقيرة والممعنة في الحقد والكراهية وتخويف الآمنين من ضيوف الرحمن من نساء وأطفال وعجزة. وانطلاقا من مبدأ الإصرار على العبث بأمن الحج وضيوف الرحمن بالكاد مضت سنتان على جريمة مكة المكرمة حتى قام مجرمون سفلة وحقيرون ينتمون لما يسمى بـ»السائرون على خطى الخميني» بالتخطيط لعملية تفجيرات جديدة في موسم حج 1409هـ بمكة المكرمة وليتم كشفهم قبل تنفيذ مخططهم الحقير بعناية من المولى جلت قدرته ثم بجهد رجال الأمن الرائعين الذين يفخرون بأن يقدموا أنفسهم فداء في سبيل راحة ضيوف الرحمن. وفي العام الذي أعقب هذه الجريمة النكراء وفي موسم 1410هـ قامت يد الغدر الموجهة من دولة الملالي بتنفيذ جريمة غاية في البشاعة والحقارة والخسةوالنذالة بإطلاق غاز سام في نفق المعيصم بمشعر منى والذي كان يكتظ وقتها بجموع من حجاج بيت الله العتيق واستشهد 5 آلاف حاج في ذلك اليوم الرهيب والذي سيبقى شاهداً على جرائم سفاحي دولة الملالي الذين لم يراعوا لا حرمة مكان ولا حرمة زمان ولا أنفسا مؤمنة بريئة تركت الأهل والبلد وجاءت ملبية نداء المولى عز وجل. والكل يعرف بأنه لا يمر موسم حج إلا وهناك محاولة من قبل الإيرانيين لاستفزاز رجال الأمن والذين وانطلاقا من مسؤولياتهم ومعرفتهم اليقينية التي لا تتزعزع أبدا بأنهم مسخرون لخدمة الحجاج يتغاضون عنهم تقديراً أولاً لكونهم يحملون صفة ضيوف الرحمن وثانياً تقديراً لحرمة الزمان والمكان والبعد بركن الحج عن كل جدل من أجل طمأنينة وسلام بقية الحجاج. وعندما تأكدت قيادة دولة الملالي بأن صبر المملكة عن تجاوزات حجاجها قد نفذ ولا مجال للتغاضي عن التجاوزات رفضوا التوقيع على محضر الحج مع إعطائهم فرصتين لذلك، وهو إجراء ليس موجها ضد أي دولة بعينها بل أمر مُلزم لكل دولة. ونتج عن هذه الخطوة التي تدل أيضا على استهتار دولة الملالي بالفروض والواجبات الدينية لمواطنيها بأن قامت المملكة ومن تحملها لمسؤوليتها التاريخية وإنفاذا لكل الاتفاقيات والالتزامات المبرمة مع الدول الإسلامية بأن أعطت حصة إيران لمواطني إيران والذين يقطنون في المهجر والذين هربت غالبيتهم من ظلم وطغيان وفساد دولة الملالي.
وتهدف سياسة وإستراتيجية دولة الملالي لتشويه وتخريب الحج إلى هدفين رئيسين وعلى مستويين أحدهما: على المستوي الإسلامي، والثاني على المستوي الدولي. فتخريب الحج من قبل دولة الملالي، وإن كان من قبلها، وهو أمر مضحك مبكٍ في آن واحد حيث كيف يمكن أن يصور خيال قادتها المريض بأن هذا الأمر سيعطيها ذريعة لإقناع الدول الإسلامية بأن المملكة غير قادرة على توفير الأمن للحجاج. والمستوى الدولي يهدف ومن خلال المظاهرات وشتم الغرب أن يظهر دين الإسلام بالدين الكاره للآخر المختلف، الدين الذي يجتمع أهله سنوياً لسب وشتم بقية سكان المعمورة، وهو أمر يتنافى ومن الجذور مع رسالة الحج العالمية والتي أعجبت بقية العالم والمتمثلة في مهابة وسمو اجتماع الأعداد الغفيرة في الحج ومن كل حدب وصوب وبكل لون ومكانة اجتماعية ملبِّين وموحدِّين لإله واحد لا شريك له. الحقائق المعروفة للجميع توضح بأن دولة الملالي أينما تحل أو تجد موضع قدم فهو نازلة شؤم وصراع وحرب وكراهية على أهله، ورأى العالم ذلك في العديد من البلاد العربية ففي لبنان أشاعوا الفوضى ومازالوا عائقاً في انتخاب رئيس لهذا البلد الذي ابتلي بأذنابهم. وفي العراق وبطريقة لم يشهدها تاريخه القديم أو الحديث أشاعوا الكراهية والمذهبية بين أفراده ومكوناته بعد أن وجدوا موطئ قدم لهم فيه منذ سنوات خلت. وفي سوريا دسُّوا أنوفهم في حرب شعواء ساندوا فيها قاتل شعبه بكل أنواع الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي مما حدا بصحيفة موالية لنظام الملالي بأن تصف مصير جنود الملالي الذين اشتركوا في معركة حلب الأخيرة بأنهم أدخلوا في صراع يشبه جهنم. وفي اليمن المثال القريب والذي لن يكون الأخير في سلسلة تدخلاتهم السافرة فرقوا بين أبناء شعب واحد بحرب ضروس سعى كل محب وغيور على مستقبل اليمن وأهله لتفاديها. فشلت دولة الملالي في السابق من تحقيق مخططاتها لتشويه الحج وسوف تفشل مخططاتها اللاحقة وتبقى الحقائق المعروفة للجميع بأن المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تفخر وتعتز بتقديم كل ما يحتاجه زوار الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن كل بقاع المعمورة وباختلاف مذاهبهم وأعراقهم وستستمر بفخر في تقديم كافة أنواع الخدمات لهم لجعل تأدية شعائرهم أمراً مُيسراً مع فرض الأمن للجميع، وهو أمر انتهى وإلى الأبد عصر التسامح أو اتغاضي عنه بعد انكشاف الحقائق والتعلم من التجارب.