حينما سرحت جدتي الرويسية شعري في طفولتي، وأغمضت عينيّ قريرة النفس في أحضانها على أنغام صوتها العذب، حول قصصها المكررة التي لا أمل سماعها كل ليلة، كان ذلك قبل عشرات السنوات، كان ذلك في بيتها البسيط الذي يغرق بماء الأمطار كل موسم بسبب نزول البيت عن مستوى الأرض، قام خالي بإعادة بنائهِ وأصبح مملكة جدتي نجتمع فيه كل يوم رغم بساطته وصغره إلا أنه احتوانا جميعاً، كيف يعرف هذه النعم أصحاب القصور الفارهة، بيوت صغيرة لكن تجمع أسراً كبيرة وأفراداً كثيرة بقلب واحد ولله الحمد.
كل تلك السعادة في بيوت ينقصها أحياناً بعض الاحتياجات بتعفف أهلها عاشوا مستورين، عملوا في أبسط المهن من صيد الأسماك ورعاية الأغنام، لم تخنقهم الحاجة لتضيق نفوسهم بل ظلوا قانعين مئات السنين، مسالمين راضين بما يرزقهم الله من قوت يومهم، تعلم أبناؤهم وأصبح منهم الكثيرون يعملون في مسار التعليم وغيره من المجالات.
هو حي نبض بقلوب أبنائه ورجاله ونسائهِ، حي الرويس الذي اجتاح أهله المسالمين غضبٌ أقلق نومهم وكدر صفو حياتهم، كيف للشركات الاستثمارية أن يطالبوا بتشريدهم من مساكنهم التي سترت عوراتهم وضمت أبناءهم وكفتهم شر الحاجة للناس، صعب أن يسلب بيتك منك بالقوة، صغر البيت أو كبر، صعب أن تجد نفسك مشرداً بالشارع بلا مأوى تبحث عن شقة بالإيجار بعد أن كنت تنعم بقصرك الذي ورثته أباً عن جد مهما صغر هذا القصر في أعين من احتقروه ووصفوه عشوائيات، هو مملكتك التي تعترش عليها وتجد راحتك فيها أنت وأبناؤك، وتستأنس في المضي إليها بعد يوم شاق لترتاح بين أركانه، وتتظلل بظلاله.
هي قصة حي الرويس لم تخط من الخيال ولم تنسج إلا من واقع أهله وسكانه، حقيقة الأمر صعب أن تفارق حبيبا قريبا، أمرٌ يدمي القلب وتظل تذكره سنوات طوال، لكن أن تفارق بيتك فهو أصعب من ذلك، لأنك ستجد نفسك بالخلاء مشرداً تتلاطم الحياة، فبعد أن كان يشق عليك توفير اللقمة الجيدة والملابس وأغراض المدرسة لأبنائك أصبح عليك أن تحميهم من البرد والحر ونظرات البشر والحاجة لهم، إلى أين يسير بنا طمع الطامعين؟، لابد للمسئولين وولاة الأمر أن يوقفوا هذا الظلم وهذا الطمع الجائر من المستثمرين، اذكر فرحة الناس حين يمر بمنازلهم مشروع حكومي كشارع أو جسر نظراً للتعويض المجزي الذي سيحول حياتهم للأفضل، لكن ما يحصل في حي الرويس اعتداء وظلم وبخس بالتعويضات مع تزايد الغلاء الذي نشهده هذه الأيام في كل شيء من فواتير وطعام وماء ومسكن، فليشمل تطوير الرويس بالرقي بالحي وتعديل ما يمكن تعديله وإصلاح ما يمكن إصلاحه بدل استفزاز السكان بقطع الكهرباء وتأخير نظافة النفايات وانتشار الشوارع المشبعة بالحفر ومياه المجاري، وانتشار الجرذان والصراصير دون مكافحة، إهمالاً مقصوداً من بلدية جدة للتضييق على سكان الحي وتطفيشهم وإرغامهم على الرحيل والهجرة من بيوتهم وممتلكاتهم، دون النظر في محاولة مساعدتهم لحياة أفضل.
كيف ينادون بالتطوير ويرسمون الأحلام على أرض الرويس ونسوا آلاف الأرواح التي تعيش على هذه المساحة، التطوير مطلب الجميع وجميعنا بلا استثناء نطلبه ونسعد به بلا ضرر أو اعتداء على أحد.
مساحات المملكة وأراضيها الصحراوية شاسعة ملايين الكيلو مترات، ألم يجد هؤلاء المستثمرون المساحة المناسبة لهم إلا على حساب ذوي الدخل المحدود؟، إن احتاجت مشاريعهم القرب من البحر فهو مطلب جميل فليشقوا قنوات وألسنة بحرية وليحفروها إلى الامتداد الذي يرغبون مثل ما فعلت كثير من الدول، ودبي أقرب مثال، أو ليصنعوا البحيرات الصناعية كالرياض وباريس والكثير من الأمثلة على مستوى العالم التي لا نستطيع حصرها، ونحن نسعد معهم بالتطوير ونشجعه.
حلم الجدات والأمهات الرويسيات من الأرامل والمطلقات في رؤية أبنائهم وبلادهم بأحسن حال سيظل للأبد، وسيظل وطني يشهد التطوير بأيدي أبنائه، وسيبني التطوير كل ما يسعد الإنسان والمواطن السعودي ولا يشقيه أبداً، هذا أملنا بالله ثم بولاة أمرنا حماهم الله وجعلهم ذخراً ونصراً للإسلام والمسلمين.