رجاء العتيبي
قد تتفهم انخراط البعض في الخطيئة بشكل أو بآخر, على أمل أن يعودوا إلى رشدهم لاحقا , ولكنك لا يمكن أن تتفهم سلوك (البخيل) عندما يكون بخيلاً ويصبح البخل جزءاً من شخصيته طوال حياته, لا يمكن أن تجد للبخل تبريراً من وجهة نظر صاحبه, ماذا يمكن أن يقول؟ ليس هناك فائدة تعود على البخيل لا من قريب ولا من بعيد, لو أن لديه ملايين الريالات, يظل يعيش كالفقير, فما المصلحة التي يمكن أن يجنيها البخيل من بخله؟ أو المبرر الذي دعاه إلى فعل ذلك.
السارق لديه مبرر في السرقة, سيقول في (تحقيق الشرطة) أنه سرق لكذا وكذا،، وكذلك مروج المخدرات،، أو حتى القاتل. بالطبع لسنا مع كل التبريرات, ولكن المذنب فعل ذلك لأهداف يراها مقنعة في اللحظة التي أذنب بها، قد يتوب لاحقا ولكنه في النهاية فعل ذنبه لغرض, أما البخيل فلا نعلم لماذا سلك مسلك البخل! فلا يمكن أن يبرر البخل مهما قال ومهما تحدث, لذلك هو (أغبى) ذنب يمكن أن يرتكبه بشر.
وعندما يحكي الجاحظ في كتابه (البخلاء) عن البخل وأهله تعرف يقينا أنها (خصلة غبية) لا تسمن ولا تغني من جوع, ولو لم تكن كذلك لما جاء الجاحظ بالطرائف عن البخلاء , وبالمناسبة هذه طرفة ذكرها في كتابه:
«كان جحا في نزهة مع أصحابه، وبعد الطعام انصرفوا إلى بركة كبيرة يغسلون بها أيديهم فصادف أن زلقت رِجْلُ تاجر بخيل فوقع في البركة، فتسابق الرفاق لانتشاله قائلين: هات يدك.. هات يدك.. فلم يمد التاجر يده.. فصاح بهم جحا: لا تقولوا له «هات» فإنه لم يتعود سماعها، ثم تقدَّم نحوه وقال: خذ.. خذ يدي، فأخذ التاجر يده وأمسك بيد جحا ونجا»!!.
الطرائف التي ذكرها الجاحظ في كتابه البخلاء منبعها (غباء البخيل), كما أن في الوقت الحالي يمكن أن تضحك على سلوك البخلاء كما كان الجاحظ يضحك زمنه, وقد تتعجب, وقد ترثي لحالهم, ولكن الأهم (تشفق) عليهم من نار جنهم , فالآيات الكريمات في محكم التنزيل صرحت بأن مآلهم إلى النار مباشرة, ففي اليوم الموعود ينتقل البخيل من القبر بعد أن يبعثه الله إلى النار فوراً وهناك تكوى جنوبهم وجباههم بما كنزوا دلالة على فظاعة ما عملوا وعظم ذنبهم.
البخيل يمكث طوال عمره: لا زكاة, لا صدقة, لا عطاء, لا إحسان, لا مساعدة, ثم يلقى الله بلا حسنات, كل ذلك يحصل ولا نعلم عن مبررات البخيل! لماذا فعل ذلك, ولو أنه برر فإنه تبريره سيظل غبيا كسلوكه, حتى وإن كان مصيره الأخروي مصوراً أمامه بآيات محكمات مخيفة, ومع كل ذلك لا نعرف لماذا امتهن البخل سلوكا وقناعة وحديثا, ولا نعلم بخيلا تاب من بخله وهذه كارثة.