محمد البكر
هو القدر الذي لا مفر منه، مهما تألمنا أو ذرفنا الدمع حزناً على فقدان عزيز علينا، مهما صدمتنا المفاجأة، نظل عاجزين عن تغييره، أو حتى تبديله إلا بإذن الله.
كان التوقيت في المملكة الصباح الباكر، بينما كنت أستعد للنوم في توقيت معاكس، عندما فتحت حسابي على التويتر لألقي نظرة على آخر الأحداث، فإذا بي أقرأ تغريدة الأمير عبدالله بن مساعد ينعى فيها الراحل أحمد مسعود عليه رحمة الله. فجعت وارتبكت وقلت لنفسي ربما يكون حساب الأمير مخترقاً، لعلني في ذلك أقنع نفسي بعدم تصديق الخبر.. لكن مع قراءة التغريدات المتتالية تأكد لي ذلك الخبر المفجع. لقد رحل أبو عمر وترك لنا مساحة كبيرة للتفكير ومراجعة الذات وإعادة الحسابات...
نسأل: لماذا حظي هذا الإنسان البسيط بكل هذا الحب والتقدير من كافة شرائح الوسط الرياضي باختلاف ميولها وتوجهاتها!!؟ بل: لماذا هز رحيله شرائح كثيرة من المجتمع السعودي من خارج الوسط الرياضي ومن خارج المدينة التي ولد فيها وترعرع في حاراتها، والمنطقة التي عاش وعمل واشتهر فيها!!؟ لو لم يكن هذا الإنسان طيب القلب طاهر النفس صادق الكلام والعمل، لما حظي بكل هذه المشاعر الصادقة من كل تلك الشرائح المجتمعية.
هل نتعلم من أحمد مسعود، كيف يمكن أن نكون علامة مميزة في حياتنا وبعد رحيلنا عن هذه الدنيا!!؟ هل نتعلم من ابتسامته الدائمة كيف نسامح ونتناقش ونختلف دون أن نفقد كرامتنا أو نسيء لمن نختلف معه!!؟ هل نتعلم منه كيف نتمالك أعصابنا ونحن نشعر باقتراب منيتنا، فنطلب وقتاً مستقطعاً لنتوضأ ونتطهر ونطلب من مرافقينا أن يسامحونا في وقت تكون اللحظة الواحدة حينها حداً فاصلاً بين الحياة والموت!!!.
لقد رحل الكثير من الرياضيين وغير الرياضيين، وأحزننا رحيلهم، لكن رحيل أبي عمر كان مفاجأة لنا كبشر وكأصدقاء ومحبين لذلك الإنسان الذي لم يظهر في صورة إلا كان مبتسماً متفائلاً متسامحاً مع نفسه والآخرين.
أكتب عنه بمشاعر صادقة، رغم أنني لم أتحدث معه أو أتواصل معه منذ عامين أو ربما أكثر، ورغم أنه لن يقرأ هذه الكلمات وهو في قبره الطاهر في مدينة الحبيب، محمد صلى الله عليه وسلم.
رحل هذا الإنسان عن وسطنا الرياضي في وقت كنا في أمس الحاجة لرجل في مكانته و وقاره، رحل في زمن سادت في وسطنا الرياضي أمراض الحسد والحقد والكراهية وتبادل الاتهامات والإساءات... زمن يتطاول فيه الكثير من رواده الصغار على الكثير من العقلاء وأصحاب الآراء الرزينة... زمن يشتد فيه الصراع بين عقل يفكر في الخير والتلاقي رغم الاختلاف، وبين عقل يبحث عن إثارة المشاكل والنعرات والتحريض على كل الهيئات والرموز. ولربما كان كل ذلك سبب في حجم الحزن ومساحة الألم ومرارة توديع هذا الإنسان الذي عاش راضيا ومقاتلا « مسالماً « مدافعاً عن الحق مهما كانت شراسة من دخلوا معه في صراع حاول تجنبه.
رحم الله أحمد مسعود رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ولكم تحياتي