كوثر الأربش
ليست مصادفة، وليس حظًّا وفيرًا أن يعبر الفكر الثوري الحدود الجغرافية. لم تكن رمية نرد موفقة على أي حال، بل كانت خطة مُحكمة، ولا يعني هذا أن تكون نزيهة. الأفكار الفاسدة يمكن لها الانتشار بقوة أيضًا لو تمكنت من التبوُّغ كالفيروس إذا اشتدت المهاجمة في الخارج، ثم الانتشار إذا وجدت البيئة مناسبة ودافئة للتكاثر. لم يكن سهلاً على العلم أن يقنع العقول البدائية بكروية الأرض، وأن خسوف الشمس ليس بسبب ذئب ولا حوت قضم نصفه كرغيف! لأن العلم صادم ومباغت، ولا يستعطف أحدًا. عكس الأيديولوجيا التي بإمكانها جر الأشخاص للتضحية بأرواحهم، بإيمان عظيم بأنهم يفعلون الصواب. ولا يمكن لأي أيديولوجيا أن تجرّد الأشخاص من الخوف، أن تجعلهم يقتحمون الخطر بقلوب ثابتة، قبل أن تمهد ذلك. وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها، ليس كالاكتشافات العلمية التي يكفي أن تصدر في مجلة علمية، أو توثق براءة اختراع.
لا.. ليس هكذا. الطريق لجعل الآخرين يموتون من أجل قضية أو حزب أو فكرة لا بد أن يبدأ بهدم الذات، حلحلة التقدير الشخصي، أن يتوقف عن النظر لذاته كفرد مستقل. تنجح الأيديولوجيا في سحق الفرد ضمن مجموعه حتى يفقد الصلة بذاته، ويقتنع بأنه فاقد الأهلية، لا يستحق أن تكون له حتى أحزانه الخاصة؛ فيضحي بكل شيء ذاتي، يذبح أمنياته قربانًا لمصالح المجموعة التي تصبح كينونته الخاصة ووجوده الأول. يقول إيريك هوفر: «لكي تهيئ شخصًا ما للتضحية بالنفس فلا بد من سلخه من هويته الذاتية ومن تميزه. يجب أن يكف عن الشعور بأنه خلية بشرية مستقلة لها وجود يحده المولد والوفاة. وأكثر الطرق فاعلية للوصول إلى هذا الهدف هو صهر الفرد كلية في الجسم الجماعي. إن الفرد المنصهر في الجماعة لا يعد نفسه ولا الآخرين كائنات بشرية فعلية. ليس لهذا الفرد من معنى أو هدف أو مصير إلا من خلال الجسم الجماعي. وما دام هذا الجسم الجماعي حيًّا فلا يمكن للفرد أن يموت».
هكذا يجعلون الأفراد يخوضون حروبًا ليست حروبهم. ولاسيما إن كان الجسم الجماعي ذاك يتخذ سمة مقدسة وثأرًا سماويًّا. في سوريا 70 ألف مقاتل إيراني إلى جانب النظام السوري، يشكّلون رأس الحربة وخط الدفاع الأول عن النظام. هؤلاء نسوا من يكونون.. يتم توجيههم كالدمى، الدمى الباسمة وهي تواجه الموت!