د. خيرية السقاف
هريرتي الصغيرة حيث أتجه تلاحقني, إن وقفتُ وقفَت معي, وإن جلستُ أومأتْ, واستلقتْ جواري, وإن نهضتُ وثبتْ تمشي معي إن مشيتُ, وتكون إلي حيث أكون..
أفعل فأقصد أي اتجاه, فإذا هي تتبعني لا تتأخر..
في عينيها لهفة واستفسار، وفي همتها شغف للمزيد من المعرفة, والسؤال..؟!
حتى جريدتي حين أضعها تقفز لتستلقي عليها كأنما هي تصر على معرفة ما قرأتُ, وبلوغ ما علمتُ ..!!
قلت عنها ذكية فأخضعتها للقياس ففاق ذكاؤها كل مقياس، مع أن أحداً لن يمنحها رقماً في الموهوبين, وليست فأراً لتكون في مختبرات الباحثين!!
هريرتي حسها يقظٌ, عميقٌ, فعّالٌ, متسارع الانتباه..,
إن ابتسمتُ أمامها أغمضت في هدوء, وذيلها يتراقص في انتشاء إشارة لاطمئنانها,
وإن حزنتُ تتطوف بين يدي كأنها تربتُ, وتحنو, وتبلسم ..!!
ما إن يحفُّ جناحٌ في سكون خارج النافذة, أو تبدر حركة ٌ بعيداً عن المكان الذي نكون معاً فيه إلا تقفز بسرعة الخيال كأنها الحارس الأمين, أو المستقبِل المُضيف ..!
تتابع حركة الصور عند نشرة الأخبار في شاشة التلفاز, وفي وجهها من التعابير ما ينم عن التفسير, فأراها تارة غاضبة تكشِّر ما بين عينيها, وأخرى لا مبالية تومئ برأسها, وثالثة يائسة تنطوي على نفسها, ورابعة مندهشة تشرع عينيها وأذنيها, كأن النوازل بالبشر, والفجائع فيهم, والخيبات منهم كلها بتفاصيلها بين يديها أوراق مفتوحة, ومستنقعات موبوءة, ودوامات مفصلة..
عند حديثي, وصمتي, وفرحتي, وحزني تكون ..
وفي كل الحالات تنم عن فهم عميق, وإدراك واع, وحس شفيف, وتفاعل لا يحيد تعبيرها به عن فهمها, وحسها بما لا تجده في إنسان, ولا تتوقّعه من حيوان..!
هريرتي تأخذني لإجابات ما يُحيِّر, وللسؤال عمّا يغمض, ولاستكشاف حقائق ما يدور في فلك الذي يدور حين تكون معي في أي مكان ..!
في العربة تحتل نافذة الطريق, لا يتوقف نبضها المتسارع, ولا عيناها الولجتان, ولا رأسها المتحرك عن رصد الأصوات, ومتابعة الحركات, والتعرّف على البشر وهم كما الأيقونات يتحركون, أو هم يندسون داخل عرباتهم, أو يقفون خلف منصات بيعهم, ومعاملاتهم ..!
تنظر للشجر والبشر, وتحصد في جوفها ما ترى, وتبقي فيه المنعكس مما يمرُّ, كأنها اللاقطة تختزن, فإذا ما عدنا لبيتنا أفرغت كالدلو, أو عكست كالمرآة ما آثرته فيها في حركة نشاطها إن فرحت, أو أن تأوي لنومها واستغراق هدوئها إن تأست وحزنت بما رأت ..!!
تقرأ معي الصحف بمثل ما تشاهد معي الأخبار,
تدس رأسها في شاشة الحاسوب حين يكون بين يدي, وتدفع بجبهتها عن يدي الهاتف,
كأنها تسألني الخلاص, والتخليص, والترك, والنجاة, وإيثار الهدوء, والسلام ..
تجلس الآن قربي، تتابع أصابعي وعيناها على الحروف, لم أقرأ بعد حالتها اليوم .......!!