إبراهيم بن سعد الماجد
زيارة غير تقليدية قام بها سمو ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لكل من الصين واليابان, هاتان الزيارتان غير التقليديتين واللتين تم خلالهما توقيع العديد من الاتفاقيات الدفاعية والتقنية والصناعية والنفطية والتعليمية والسكنية, والتي تأتي بتوجيه كريم من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز, الذي كان لزياراته منذ عام 1999أكبر الأثر في رسوخ العلاقات السعودية مع دول تعد شريكاً أساسياً لنا في التنمية.
ويوم يقوم وليّ وليّ العهد بهذه الزيارات ويتبعها برئاسته لوفد المملكة لقمة دول العشرين, هذه القمة التي تأتي وسط تحدِّيات اقتصادية وتنموية كبيرة، وتستضيفها جمهورية الصين الشعبية، لأول مرة، في مدينة هانغتشو، بطموحات تقودها من أجل تحقيق توازنٍ بين الشمال والجنوب، وإشراك دول العالم النامية في تحقيق اختراق للركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي.
وتتوقَّع الصين أن تركز قمَّة العشرين على تعزيز النمو الاقتصادي وقضايا مالية أخرى، وليس على نزاعات مثل نزاع بحر الصين الجنوبي؛ لذلك ستكون قمة أكبر 20 اقتصاداً في العالم، ذروة النشاط الدبلوماسي للرئيس شي جين بينج لهذا العام، حيث تُركِّز على موضوعٍ رئيسيٍّ (نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل).
وكان انتعاش الاقتصاد العالمي بطيئاً، وقد تجمَّدت الإصلاحات بفعل تنفيذ السياسات النقدية المُتساهلة في الدول الغربية. أما في الدول النامية، فتراجعت الواردات وتقلَّصت القطاعات الصناعية، وسيظلُّ نُموُّ التجارة العالمية بنسبة 2.8 % هذا العام، وذلك ما ذهب بمنظمة التجارة العالمية إلى التأكيد على أن هذه هي المَرَّة الخامسة، التي تكون فيها نسبة النُّمُوِّ أقلَّ من 3 % بصورة مُتتالية. ومن المُرجَّح أن تكون كيفية إنشاء سبل أكثر فاعلية لمقاومة الأزمة المالية وتعزيز التجارة الحُرَّة موضوعاً رئيسياً في قمَّة مجموعة العشرين لهذا العام.
العلاقات السعودية الصينية
احتفظت المملكة والصين بعلاقات تاريخية منذ أكثر من 70 عاماً، وظلت تشهد نُموَّاً وتطوُّراً مُتواصلاً منذ مطلع التسعينيات الميلادية، بانطلاق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ونتج عن ذلك ارتفاع المؤشرات التجارية بين الصين والسعودية بشكل كبير، وتحديداً منذ العام 2000م، لتتطوَّر عمليَّات التبادل التجاري أكثر في العام 2005م، الذي شهد زيادة التجارة إلى (59 %) وتجاوزت المملكة أنغولا كأكبر مصدر نفط للصين.
وتقوم شركة سابك بتصدير بتروكيماويات للصين، بقيمة أكثر من مليارَي دولار سنوياً. وفي العام 2008م، بلغ حجم التجارة الثنائيَّة بين البلدين 32.5 مليار يورو، ما يجعل السعودية أكبر شريك تجاريٍّ للصين في غرب آسيا. وفي الربع الأول من العام 2010م، وصلت صادرات النفط السعودي إلى الصين أكثر من مليون برميل، وهذا يتجاوز صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ونظراً لحرص السعودية على الاستثمار في المشاريع ذات الصلة بالنفط، باعتبارها وسيلة لتأمين وضعهم كمُزوِّد رئيسي للنفط إلى الصين؛ فقد استثمرت أرامكو في العام 2004م، مبلغ 3 مليارات دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات في مقاطعة فوجيان جنوب شرق الصين، والتي تعالج 8 ملايين طن من النفط الخام السعودي. وفي العام 2006م وافقت جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية على بناء منشأة لتخزين النفط في جزيرة هاينان في الصين؛ ثم في 6 أبريل 2012م، أعلنت شركة سابك خطة استثمارية جديدة بقيمة 100 مليون دولار لإنشاء مركز تكنولوجيا جديدة في منطقة Kangqiao في شنغهاي.
مشاريعُ قادمة
وتُسهمُ التبادلات الودية التاريخية في تطوير العلاقات بين الصين والسعودية، حتى أصبحت الصين حالياً أكبر شريك تجاري للسعودية؛ في حين أصبحت السعودية أكبر مورد طاقة للصين، وكذلك أكبر شريكٍ تجاريٍّ للصين في غرب آسيا وشمال إفريقيا. وبلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية 51.7 مليار دولار في العام 2015م. وقرّر البلدان إقامة شراكة إستراتيجيَّة شاملة، وتأسيس اللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين الحكومتين، خلال زيارة الرئيس الصيني للسعودية خلال يناير الماضي.
وفي سبيل مزيدٍ من الأعمال المُشتركة لصالح البلدين الصديقين، وافق مجلس الوزراء مؤخراً على تفويض عددٍ من الوزراء بالتباحث مع الجانب الصيني في شأن مشاريع:
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في قطاع الثروة المعدنية.
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في قطاع الطاقة.
- مشروع مذكرة تعاون في مجال تخزين الزيت.
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال موارد المياه.
- مشروع برنامج تعاون فني.
- مشروع البرنامج التنفيذي لإنشاء المركز السعودي الصيني لنقل التقنية.
الصادرات والواردات
كانت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز «رحمه الله»، حين كان وليَّاً للعهد، للصين في العام 1998م، أعلى زيارة في مستوى الوفد الرسمي للجانب السعودي إلى الصين. وفي تلك الزيارة وصف الملك عبد الله الصين بأنها أفضل صديق للسعودية، وردَّت الصين الزيارة بزيارة الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين إلى المملكة في العام 1999م، وتعتبر الأعلى من الجانب الصيني، ثم عاد الملك عبد الله بن عبد العزيز لزيارة الدولة الصديقة في العام 2006م، ضمن جولته «رحمه الله» في شرق آسيا.
وواكبت العلاقات الثنائية طموحات قيادتَي البلدين في تطويرها ونُمُوِّها، ووصل حجم التجارة بين البلدين إلى 69.1 مليار دولار في العام 2014م، مقارنة مع 10.3 مليارات دولار أمريكي للعام 2004م، وقد تضاعف هذا الرقم أكثر من سبع مرات خلال عشر سنوات.
وبالنسبة لقيمة صادرات المملكة إلى الصين، فقد بلغت 48.5 مليار دولار في العام 2014م، في حين بلغت واردات المملكة من الصين نحو 20.6 مليار دولار. وتُحافظ المملكة على مركزها كأكبر مُزوِّد للنفط الخام إلى الصين، حيث صدرت 49.67 مليون طن من النفط الخام في العام 2014م.
التِّجارةُ غير النفطيَّة
بصورة إجمالية، فإنَّ التبادلات التجارية والعمليات الاستثمارية المشتركة تواصل النُّمُوَّ وتدعم علاقات البلدين اللذين أصبحا حليفَيْن إستراتيجيَّيْن. ويُعتبر النفط والغاز الطبيعي، من أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بينهما. ورغم أن معدل النمو الاقتصادي الصيني في الفترة الأخيرة قد انخفض، إلا أنَّ الصين استمرَّت في شراء كميَّات كبيرة من النفط الخام، لملء خزاناتها الاحتياطية. وترغب المملكة في أن تحافظ الصين على مكانتها كأكبر بلد مستورد للنفط السعودي، في ظل تنوع الواردات الصينية من الطاقة وثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة.
وتتزايد الصادرات النفطية من شركة أرامكو إلى الصين، في ظل التنمية الاقتصادية الصينية. ويُتوقَّع أن يستمرَّ الطلبُ الصينيُّ على النفط والمنتجات الكيماوية والغاز الطبيعي المُسال، في النُّمُوِّ مع تسارع عملية التحضر في الصين. وتسعى المملكة إلى زيادة الاستثمارات في التجارة غير النفطية في الصين، بما فيها التعدين والمجوهرات وتجارة التجزئة والتكنولوجيا الحيويَّة.
ويدعم نمو الأنشطة الاستثمارية بين البلدين، تنفيذ عددٍ من المشاريع المُشتركة، حيث أنشأت أرامكو مصفاة وشركة مبيعات للمنتجات النفطية بالتعاون مع شركة سينوبك الصينية وشركة إكسون موبيل الأمريكية في مقاطعة فوجيان بجنوب شرقي الصين، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجيِّ بين شركة هاربين للهندسة الكهربائية، وهي شركة صينية رائدة في مجال هندسة الطاقة الكهربائية، والشركة السعودية للطاقة الكهربائية، وخدمة المياه بهدف تطوير أسواق الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا بصورة مشتركة. وقد توصلت الشركتان إلى اتفاقية التعاون بشأن إنشاء أول محطة لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة تعمل بالفحم في منطقة الشرق الأوسط، مع بلوغ سعة المولدات الكهربائية 1200 ميجاوات.
مُذكِّراتُ تعاون
ولعلَّ اللافت في تطوير العلاقات الاقتصادية بين المملكة والصين، هو المبادرة الصينية للانفتاح على العالم عبر مبادرة طريق الحرير، والتي تتوافق مع جهود المملكة في الانفتاح على الأسواق الدولية؛ لذلك وَقَّعَ البلدان مُذكِّرة التفاهم حول تعزيز التعاون المُشترك في شأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، ومُبادرة طريق الحرير البحريِّ للقرن الحادي والعشرين والتعاون في الطاقة الإنتاجيَّة.
وتضم مبادرة «حزام وطريق الحرير»، ما يزيد عن 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، يبلغ إجمالي عدد سكانها 4.4 مليارات نسمة، ما يعادل 63 % من سكان العالم، فيما يبلغ حجم اقتصاديَّاتها 21تريليون دولار، أي 29 % من الاقتصاد العالمي الحالي.
وتشملُ مُذكِّراتُ التفاهم بين البلدين التعاون في مجال العلوم التقنية، والملاحة بالأقمار الصناعية، وتنمية الربط المعلوماتي، وذلك يؤدي إلى المزيد من التعاون في مجال الشركات المتخصصة في هذا المجال، إضافة إلى الإسهام في تدريب وتوظيف العديد من الشباب والشابات في المملكة على هذا الجانب، بجانب تعزيز الابتعاث لتقوية الجانب الأكاديمي للمُتخصِّصين في تقنية المعلومات.
وتشمل المُذكِّرات كذلك المجال البيئي، وذلك من خلال قرضين للتطوير البيئيِّ للمناطق المأهولة بقومية الهوي في منطقة جنتاي بأقليم شنشى، وآخر لصالح مشروع حماية الأراضي كثيرة الرطوبة، وتطوير بحيرة هيوانقي بإقليم أنهوي.
وفي إطار مساعي البلدين الصديقين لتطوير الصناعات، تم توقيع ثلاث مذكرات تشمل اتفاقية إطارية للتعاون الإستراتيجيِّ بين شركة الزيت العربية السعودية أرامكو، والشركة الصينية الوطنية للبتروكيماويات SINOPEC، ومذكرة تفاهم خاصة بالتعاون الإستراتيجيِّ لتنمية الاستثمارات الصناعية والمحتوى المحلي، إضافة إلى توقيع مُذكِّرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة المُتجدِّدة بين مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمُتجدِّدة، وإدارة الطاقة الوطنية في جمهورية الصين الشعبية، ومُذكِّرة تفاهم من أجل التعاون لإقامة المفاعل النووي ذي الحرارة العالية والمبرد بالغاز، ومُذكِّرة أخرى للتعاون في مجال البحث والتطوير بين شركة أرامكو السعودية ومركز بحوث التطوير التابع لمجلس حكومة جمهورية الصين الشعبية.
ارتفاعُ التَّبادل التجاريّ
وقد تطوَّرت العلاقاتُ السعودية الصينية، وازدهرت بصورة مُتسارعة، تعكس الإرادة والرَّغبة المُشتركة في تنميتها؛ فخلال الـ12 عاماً الماضية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.73 تريليون ريال، بصادرات بلغت نحو 1.2 تريليون ريال، وواردات 532 مليار ريال، لتُسجِّل بذلك المملكة فائضاً في ميزانها التجاري مع الصين، بنحو 662 مليار ريال، يعادل 38 % من التبادل التجاري بين البلدين.
وبحسب إحصاءات الجمارك الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 72.2 مليار دولار في العام 2013م، الذي شهد زيادة كبيرة في حجم مشاريع المقاولات للشركات الصينية في المملكة.
وكانت الصينُ أهمَّ شريكٍ تجاريٍّ للسعودية خلال العام 2014م، بتبادل تجاري بلغت قيمته 247.8 مليار ريال، تُعادل 13 % من إجمالي التبادل التجاريِّ بين المملكة والعالم في نفس العام، البالغ 1.94 تريليون ريال.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين 2.4 مليار دولار في العام 2015م، فيما يوجد نحو 16 مشروعاً لمستثمرين سعوديين، بحجم استثمار يصل إلى 88 مليون دولار.
شراكاتٌ ناجحة
وتستمرُّ الشراكة الاقتصادية بين البلدين، في كثير من المجالات، ووصلت أقصى مستوياتها خلال زيارة الرئيس الصيني للمملكة في يناير الماضي، ويُعزِّزُ ذلك وجود مشاريع عملاقة، تم التعاون فيها بين شركة الصين للبتروكيماويات «سينوبك»، وشركة أرامكو السعودية وشركة إكسون موبيل، مثل شركة فوجيان المتحدة للبتروكيماويات، والتي تقع في منطقة الميناء بمدينة تشيوانتشو بمقاطعة فوجيان، باستثمار 6.18 مليارات دولار، وتبلغ قدرتها الإنتاجية 14 مليون طن كل سنة، وتعمل على تكرير النفط السعودي الكبريتي، ويمكن أن تُقدِّم كُلَّ سنة للسوق السريعة النُّمو 7.5 ملايين طن من النفط المكرر بجودة عالية، و1.3 مليون طن من المواد البلاستيكية، و700 ألف طن من المواد الخام للألياف الكيماوية وغيرها من المنتجات البتروكيماوية. تتخذ شركة فوجيان أحدث تكنولوجيا في العالم في التحكم الآلي، وقد تحقَّقت الإدارة الرقمية في الشركة.
أما المشروع الثاني فهو شركة سينوبك سابك (تيانجين) المحدودة للبتروكيماويات، والتي تم تأسيسها بالتعاون بين مدينة تيانجين والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك). وتقع الشركة في المنطقة الساحلية الجديدة بمدينة تيانجين، باعتبارها واحدة من أكبر المؤسسات المُشتركة لإنتاج الإثيلين في الصين، وتعمل أساساً في إنتاج وتسويق وبحوث الإثيلين ومُشتقَّاته، ولدى الشركة 8 معدات للإنتاج الواسع، ولديها أحدث التقنيات في العالم، وتبلغ قدرة الإنتاج السنوي للإثيلين مليون طن، وهي الأضخم على مستوى العالم، ومعدة إنتاج البولي بروبلين بقدرة 450 ألف طن كُلَّ سنة، وتُمثِّل أكبر معدة فردية للإنتاج في العالم، وفي كُلِّ سنة تُقدِّم الشركة للسوق العالمية 3.2 ملايين طن من المنتجات الكيماوية العالية الجودة.
وزيارة سمو ولي ولي العهد لليابان كانت من الأهمية بمكان ولاقت زيارة سموه حفاوة كبيرة من كافة المسؤولين اليابانيين ومن إمبراطور اليابان، حيث استقبل سموه في قصره.
فما هو تاريخ العلاقات السعودية اليابانية؟
تغوصُ العلاقاتُ السعودية اليابانية في تاريخ بعيد، ترسخت خلاله روابط الصداقة والتعاون بين البلدَين، ونتجت عن ذلك تفاهماتٌ واسعةٌ بين قيادتَيْهِمَا عبر العقود، ما جعل تلك العلاقة أحد أكثر العلاقات الدولية مثالية في المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية والمعرفية، ما يدعم رغبتهما في الاستمرار باتجاه مزيدٍ من التطور والتطوير.
ووصلت تلك العلاقات التي بدأت فعلياً في العام 1938م، إلى مرحلة الشراكة المُتكاملة، بما يُسهم في تحقيق أهداف شعبَي البلدين، وذلك ما بدا خلال أول زيارة لرئيس وزراء اليابان ريوتارو هاشيموتو للمملكة في العام 1997م، وفيها قام مع الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بصياغة «الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين»، وهي المشروع الذي يُحقِّقُ رغبة البلدين في ازدهار علاقتهما، ودعمها بما ينتهي إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية لهما.
وتبع ذلك خطوة من الجانب السعودي خلال زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز «وليِّ العهد حينها» لليابان، في العام 1998م، ووُقِّعت «أجندة التعاون السعودي الياباني مع رئيس الوزراء كييزو اوبوتشي، تلتها زيارة وزير الخارجية الياباني يوهي كونو للمملكة في العام 2001م، وتم خلالها إعلان مبادراته في مجالات: تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه والحوار السياسي الواسع المُتعدِّد.
وخطت علاقات البلدين خظوة متقدمة أخرى، في العام 2014م، خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «وليِّ العهد حينها»، لليابان التي أشار البيان المشترك في ختام تلك الزيارة إلى أنه ينتظرها عددٌ كبيرٌ من الفرص الاستثمارية الجزئية بالمملكة في العديد من المجالات، من بينها الصناعة والطاقة والبيئة والبنية الأساسية والخدمات المالية والتعليم والصحة وتطوير القوى العاملة.
صادراتُ ووارداتُ البلدَيْن
وفي الواقع المعاصر، تُعتبر اليابان الشَّريكَ الرَّئيس للسعودية في مجال التجارة والاستثمار، وهناك الكثيرُ من الاستثمارات المشتركة والمُتبادلة بين البلدين، والتي تتَّفق مع طموحاتهما في الارتقاء بالمصالح والعلاقات البيْنيَّة؛ فخلال العام 2015م، استوردت اليابان من السعودية نحو 1.13 ألف برميل يومياً من النفط الخام، ما يُمثِّل نحو ثُلثِ الحجم السنوي لاستيراد اليابان من النفط السعودي.
ويدلُّ على تطور علاقات البلدين، وصول إجمالي قيمة الصادرات السعودية إلى اليابان خلال العام 2014م لنحو 41.8 مليار دولار، كما أنَّ الصادرات في العام نفسه من اليابان إلى السعودية، وصلت إلى 9.9 مليار دولار، وتتمثَّل الصادرات الرئيسة من اليابان إلى المملكة في السيارات وقطع غيارها.
وتأتي اليابان في المرتبة الثالثة من أكبر الشركاء التجاريين للسعودية، كما أن المملكة تُعدُّ سادس أكبر شريك تجاري لليابان خلال العام 2014م. وبالنسبة إلى حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، استثمرت اليابان في السعودية نحو 14.5 مليار دولار أمريكي، وذلك ما يجعل اليابان في المرتبة الرابعة ضمن أكبر الدول المستثمرة لدى المملكة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وتركَّزت تلك الاستثمارات في قطاع البتروكيماويات السعودي.
استثماراتٌ يابانيَّةٌ في المملكة
قدَّمت اليابان مجموعة من المساهمات في تطوير إنتاج البتروكيماويات منذ العام 1970م، في ظل الاستفادة الكاملة من الموارد النفطية الوفيرة التي تتمتع بها المملكة. وأكبر شاهد على تطور العلاقات بين البلدين هو مشروع بترورابغ، الذي يُعتبرُ علامةً بارزةً في تاريخ المشاريع المُشتركة النَّاجحة بين اليابان والسعودية، لإنتاج المواد البتروكيماوية. وقد استثمرت اليابان في المشروع نحو تريليونَيْ ينٍ ياباني، أي ما يعادل 66 مليار ريال سعودي.
وهناك كثير من المجالات الاستثمارية المُشتركة بين البلدين، تشمل مشاريعَ في قطاع البتروكيماويات كما في مشروع الشرق، والرازي، فيما يجري حالياً تنفيذ مشاريع واعدة، إضافة إلى مشاريع توليد الكهرباء وتحلية المياه التي تُعتبر من المشاريع البارزة التي تقع مرافقها قريبةً من محطات توليد الطاقة، وهي من المجالات ذات الجهود المشتركة الناجحة، وفي مجال التصنيع والصناعة، فقد بدأ إنتاج الشاحنات الصغيرة أيضاً من قِبَلِ الشَّركة المُصنِّعة أيسوزو.
ولمزيدٍ من تطوير العلاقات الثنائية، فوَّضَ مجلس الوزراء مؤخراً عدداً من الوزراء، للتباحث مع الجانب الياباني في شأن مشاريع:
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التدريب والبحوث الصحية.
- مشروع مذكرة تعاون في مجال المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
- مشروع مذكرة تفاهم في مجال مكافحة تقليد المنتجات التجارية.
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في قطاع الطاقة.
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون الصناعي.
- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون وتبادل الأخبار.
العملُ المُشترك
وأكد البلدان في كثير من المناسبات - وآخرها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «ولي العهد حينها» - أهمية المزيد من التعاون في مجال الطاقة وتبادل الخبرات، واستمرار التعاون في التخزين المشترك للبترول والتعاون في مجالات الطاقة التقليدية والطاقة البديلة والمُتجدِّدة، وكذلك المُساعدات الفنية اليابانية للمملكة لتطوير سياستها حول فاعلية الطاقة، من خلال وسائل مثل إرسال الخبراء وعقد الندوات، بالإضافة إلى المزيد من التعاون في الاستثمار المُتبادل والمفاوضات البنَّاءة المُستمرَّة حول تشجيع البيئة التجارية ونحوها.
وكان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، أكد خلال زيارته للمملكة في العام 2013م، أن المملكة بشكل خاص، شريكٌ مُهمٌّ للغاية لأمن الطاقة في اليابان. وتمكَّنَ الطَّرفان من زيادة نطاق التعاون الثنائي من خلال كثيرٍ من الوسائل، مثل زيادة التعاون الصناعي الياباني السعودي، وفي مجالات المياه وترشيد استهلاك الطاقة والطاقة المتجددة والتنمية الصناعية وتنمية الموارد البشرية.
وما يدعم نموَّ وتطوُّرَ العلاقات بين البلدين، جهودُ اللجنة السعودية اليابانية المشتركة التي حقَّقت اجتماعاتها نجاحاً مُثمراً، وكذلك جهود مجلس الأعمال السعودي الياباني المُشترك، إذ يُولي البلدان أهمية للاستمرار في انعقاد اللجنة ومجلس الأعمال، مُرحِّبَيْن بالتعاون الثنائي بين القطاعات الحكومية والخاصة في كلا البلدين.
علاقات نموذجية
ويعمل مجلس الأعمال السعودي الياباني المُشترك، على القيام بأدوار مُستمرَّة في سبيل تطوير علاقات البلدين والانفتاح بها في جميع المجالات، بما يتَّفق مع مسارها التاريخي، الذي أكَّد على تحقيق المصالح المُشتركة بين البلدين، طوال أكثر من ستة عقود؛ لذلك يسعى المجلس إلى وضع الآليات العملية للاستفادة القصوى من الاتفاقيات المُوقَّعة بين البلدين، وأهمها المبادرات الثلاث التي تم توقيعها مع الجانب الياباني بطوكيو، بحضور وإشراف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله-، بما يجعل تلك الاتفاقيات حافزاً للمزيد من التعاون في نقل التقنية والتدريب وتبادل الخبرات في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع المشاريع المشتركة، وقيام صناعات متكاملة تعتمد بالدرجة الأولى على استخدام التقنية الحديثة ومدخلات الإنتاج المتوفرة في البلدين، والاستفادة من الخبرات الكبيرة المُتراكمة لدى الجانب الياباني في إنشاء مشاريع مُشتركة عملاقة تخدم البلدين والشعبين الصديقين.
وقد واجهت علاقات البلدين كثيراً من التحديات الاقتصادية والسياسية، التي يمرُّ بها العالم، ولكنها ظلَّت ثابتة وقويَّة، وظلت نموذجاً مُلهماً لعلاقات الشعوب، وذلك لأن قيادتَيْ البلدين حرصتا على الدوام على المحافظة على تلك العلاقات وحمايتها ودعمها في مواجهة التحديات، ما قاد إلى مزيد من التطور والنمو خلال الفترة الماضية. وشكلت اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين في العام 1957م، حجر الأساس للعلاقات الثنائية، والتي تضمَّنت العديد من المُرتكزات، شملت تأكيد قيادتي البلدين والتزامهما ببذل أقصى مساعيهما لتنفيذ برنامج التعاون المشترك، والتأكيد على أهمية دور القطاع الخاص في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، والاتفاق على ضرورة تشجيع وتيسير التعاون بين القطاع الخاص في البلدين، إضافة إلى أهمية التعاون لتطوير علاقات التبادل التجاري والاستثماري في مجال النفط.
60 عاماً من التَّطوُّر
وكانت أبرز دلالات متانة العلاقات الراسخة بين البلدين الصديقين، تلك الاحتفالية التي دشنها وزير الاقتصاد والتخطيط رئيس وفد المملكة المشارك في أعمال المنتدى السعودي الياباني، المهندس عادل بن محمد فقيه، في العاصمة اليابانية في مايو 2015م، بمناسبة مرور ستين عاماً على العلاقات السعودية اليابانية.
وأشار الدكتور فقيه في تلك الفعالية، إلى أن العلاقات بين المملكة واليابان تاريخية عميقة، تستند إلى أسس راسخة ومتينة، حيث بدأت عام 1955م وافتتحت السفارة السعودية في طوكيو عام 1958م، كما تلاها افتتاح السفارة اليابانية في جدة عام 1960م، مؤكداً تطور العلاقات بين البلدين على مرور هذه السنوات، حتى أضحت ولله الحمد، راسخةً متينة ذات أبعاد مُتعدِّدة.
وأفاد أن اليابان في مجال التبادل التجاري، كانت ثالث أكبر شريك تجاري للمملكة، حيث بلغ حجم التجارة الخارجية بين البلدين في عام 2014م 56 مليار دولار، كما تشمل الواردات اليابانية إلى المملكة منتجات عدّة، أهمها السيارات والأجهزة الكهربائية وقطع الغيار، وغير ذلك؛ كما تُعدُّ المملكة أكبر مُصدِّرٍ للبترول لليابان.
وفيما يخصُّ مجال الاستثمار، فإن اليابان احتلت المرتبة الخامسة من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة، فقد بلغ عدد المشاريع 83 مشروعاً، تشمل البتروكيماويات والأدوية والأجهزة الكهربائية والمنسوجات والخدمات المالية وغيرها، بإجمالي تمويل يقدر 15 مليار دولار.
ويُعتبر تطوير الموارد البشرية أحد أهم المجالات التي استفادت منها المملكة من الخبرة اليابانية المُتقدِّمة، وذلك من خلال التدريب والإيفاد المُتبادل بين البلدين. ويزيد تصاعد أعداد الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين خلال العقود الماضية، من قوة ورسوخ العلاقات بين البلدين.
واليابان مؤهلة لأن تكون شريكاً فاعلاً للمملكة في رحلتها الجديدة للتحول في نموذج التنمية، والاستثمار هو السبيل الأمثل لإرساء دعائم تعاون طويل الأجل بين البلدين. ويظل الباب مفتوحاً للمستثمرين اليابانيِّين للقدوم للمملكة وتأسيس جذور لهم فيها والمساهمة في التنمية المستدامة، ونقل الخبرات والتقنيات لها، حيث تتطلَّع المملكة إلى تعزيز العلاقات والشراكة الإستراتيجية بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات.