د. عيد بن مسعود الجهني
بلاد الشام صاحبة التاريخ العظيم، تأسست على أرضها الدولة الأموية عام (41 -132هـ)، بعد أن نقل معاوية ابن أبي سفيان العاصمة من المدينة المنورة إلى دمشق التي انطلقت من على أرضها الفتوحات والإنجازات الإسلامية الكبرى شرقاً وغرباً، ورفع رجال عظماء راية السلام في تلك الفتوحات المباركة، ومنهم موسى ابن نصير وطارق ابن زياد الذي أطلق اسمه على جبل طارق الذي تحتله اليوم بريطانيا صاحبة وعد بلفور اللعين.
اليوم التاريخ يسجل تحالف روسيا وإيران والعراق وحزب الشيطان لدعم النصيري الصفوي طاغية سوريا الضعيف ليقتل شعبه ويهجر ويرزح البعض منهم في السجون، ويهجر الملايين في الداخل والخارج في الدول المجاورة، ووصلت مسيرة التهجير إلى أوربا ليلقى بعضهم حتفه غرقاً.
العالم شاهد الطفل ايلان وهو يرقد صريعاً بعد أن قذفته مياه البحر إلى شاطئ تركي لتعلن حالته المعاناة شديدة القسوة للسوريين الهاربين من الموت في بلادهم ليلقى بعضهم حتفه على ظهر زوارق الموت التي يديرها قراصنة البحر.
العالم بمكينته الإعلامية لم يعر ذلك الحادث الشنيع اهتماماً أكثر من التنديد والاستنكار، وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع. وجاءت حادثة الطفل السوري عمران الذي فقد أخاه الأكبر الذي عاجله الموت في حلب المدمرة ووالدته ترقد في المستشفى بحالة خطرة، الطفل البريء عمران شاهده العالم والدماء تغطي جسده بعد انتشاله من تحت الأنقاض بعد تدمير المنزل الذي يؤويه وأسرته بالقنابل التي تنقلها الطائرات الروسية التي تنطلق من إيران وسوريا لتقتل شعباً أعزل.
ورغم أن حالة الطفلين ايلان وعمران تجعل الضمائر الحية تذرف الدموع وتجرح المشاعر الإنسانية بالغضب وتبرز جاهلية الإنسان في هذا العصر.. عصر الظلام في أبشع صوره. وإذا كان الطفلان هزا مشاعر الناس، فإن حال السوريين عامة يعيشون مأساة إنسانية عظيمة التأثير لم يحدث مثله منذ تواري نيران الحرب الكونية الثانية عام 1945م.
الطفلان يعكسان حالة الأطفال عموماً في بلاد الشام، فالمرصد السوري لحقوق الإنسان يؤكد أن أكثر من 14700 طفل لقوا حتفهم منذ عام 2011 بسبب الحلف الأهوج السوري والإيراني والروسي ومعهم بالطبع حزب الشيطان، وعلى ذمة اليونيسيف أن (600) ألف يتعرضون للحصار الجائر يمثل الأطفال نصفهم، ناهيك أن منظمة حقوق الإنسان غير الحكومية ومقرها ألمانيا تقول إن عدد الأطفال المعتقلين بلغ (1433) لم يغادر منهم السجون سوى (436).
وطبقاً لتقديرات منظمة سايف ذي تشليدرن التي تهتم بسلامة الأطفال تقول إن الضحايا في حلب المحاصرة يمثل الأطفال من هؤلاء المحاصرين (35) في المئة مهددين بالفناء نتيجة الحصار الظالم وانعدام الدواء والغذاء.
المهم في الأمر أن هيئة الأمم المتحدة التي قامت على أنقاض عصبة الأمم عام 1945 وميثاقها ينص على إقامة العدل والسلم الدوليين، هذه المنظمة وإن كانت لها بعض النجاحات خارج الوطن العربي فإنها فشلت فشلاً ذريعاً في تطبيق ميثاقها على بلاد العرب، وهي وإن تأسست عام 1945 فهي التي أعلنت قيام الدولة العبرية على أرضنا الوطنية عام 1948م رغم أن سايكس بيكو 1916م ووعد بلفور اللعين كان عام 1917م في عهد عصبة الأمم رغم ضعفها فإنها لم تدنس تاريخها باللقب السيء التي فازت به الأمم المتحدة بإعلانها سيء السمعة قيام الدولة العبرية.
المنظمة الدولية فشلت في مسعاها لتحقيق الأمن والاستقرار وأصبحت جسداً بلا روح بسبب مجلس الأمن وزبانيته الخمسة والفيتو البغيض، روسيا التي اقتطعت أجزاء من أوكرانيا لم يستطع الغول الأمريكي الوقوف بوجه الدب الروسي الذي اقتنص ضعف الإدارة الأمريكية ورئيس لم يبق له سوى أشهر معدودة في البيت الأبيض وانشغاله بالانتخابات في ذلك البلد الذي تأسس قبل 241 عاماً لينقض الدب الروسي على سوريا ويصبح هو من يقرر مستقبل ذلك البلد، وليس بيد ماما أمريكا سوى عقد اللقاءات والاجتماعات التي عنوانها إما بحث الحالة الإنسانية للشعب السوري أو وقف إطلاق النار لساعات معدودة، والقرار بيد روسيا وملالي طهران ويبقى مصير الشعب السوري معلقاً لا نهاية له في المستقبل القريب، وهذا واضح من لقاء وزيري الخارجية الروسية والأمريكية الأخير في جنيف، إذ خرج الرجلان على وسائل الإعلام كالعادة موزعين الابتسامات والتفاؤلات لا أكثر ولا أقل.
إنها حرب باردة افتعلها بوتن الذي عانى كثيراً من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وساعده في ذلك المسعى طهران التي خرجت من طوق حول عنقها أهداه لها البيت الأبيض بل وكافأها بأن تكون صاحبة اليد الطولى في بلاد الرافدين، وزاد من كبرياء الملالي إعلانهم أنهم يسيطرون على دفة الأمور في أربع دول عربية العراق وسوريا ولبنان واليمن الذي استطاعت عاصفة الحزم تقطيع الأذرع الإيرانية في ذلك البلد دعماً للحكومة الشرعية.
هذه الحرب المدمرة تخطيط خبيث وضمن إستراتيجية روسيا وإيران وحزب الشيطان في ظل تخاذل أمريكي واضح للعيان لا يملك سوى التنديد والاستنكار للهجمة الروسية والإيرانية وأتباعهما يحرقون الأطفال والنساء والشيوخ والمعارضين يمطرون بأسلحة فتاكة من قنابل النابالم والطائرات والصواريخ المدمرة لتصبح بلاد الشام وكأنها فيتنام.. وكأن أمريكا وهي تقف موقفاً رخواً تريد إدخال الروس في حرب لا نهاية لها كما أدخلتها من قبل في أفغانستان لينهار الاتحاد السوفييتي السابق ليشهد العالم لعبة دولية خطيرة على أرض الشام.
إن حصاد الحرب الأهلية في بلاد الشام عظيم، فالقتلى زاد عددهم عن (500) ألف، والجرحى والمعاقون بمئات الآلاف، والسجون امتلأت حدث ولا حرج، أكثر من (5) ملايين خارج البلاد وأكثر من (8) ملايين داخلها طعامهم ورق الشجر للبقاء على قيد الحياة، فلا دواء ولا غذاء والمجتمع الدولي في أذن طينة وفي الأخرى عجينة وهو يرى شعباً يعاني من حصار جائر غير مسبوق في التاريخ الحديث، مفتقداً حتى الأدنى من متطلبات الحياة لا ناقة له فيها ولا جمل.
هذا الشعب استعملت ضده كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، مرات عدة استنكرها السيد أوباما واعتبرها خطاً أحمر وعندما استعملت بالفعل مرات عدة اعتبرها خطاً أخضر، ولم يسع في تحقيق منطقة حظر جوي وتزويد المعارضة بصواريخ ضد الطائرات. ومما يضحك أن السيد بوتن عندما أسقطت له طائرة (هيلوكوبتر) اعتبر من أسقطها إرهابيين متوحشين، وهو رجل سلام وأمن، فما يقوم به حلال والدفاع عن الأرض محرم تماماً، وهو دور المجرم نتنياهو نفسه، فالمجرمون هذا تكييفهم لأفعالهم، لجرائمهم المحرمة دولياً، فأصبح صاحب الأرض إرهابياً والمعتدي الجزار صاحب الحق.. فمن البلية ما يضحك.
إن ما حدث ويحدث على أرض بلاد الشام من قتل وتدمير وتهجير ممنهج للسنة والمعارضة السورية منهم وإحلال محلهم أكثر من مليون من الشيعة من طهران وبغداد وغيرها مخالف لشرع الله وضد القانون الدولي والأعراف والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الأربع وقانون محكمة الجنايات الدولية، ويمثل جرائم إبادة جماعية وتعذيب وتهجير عقوبتها القتل لمرتكبيها، وسيأتي يوم لنرى المجرمين وقد سقطوا على أرض المعركة أو مواجهة الشعب في محاكمات عادلة أمام محكمة الجنايات الدولة.. أو أمام الشعب الذي عانى الأمرين من جرائمهم المتكررة، فلا يضيع حق وراءه مطالب.. رغم سيادة قانون الغاب في هذا الزمان.
والله ولي التوفيق.