سعود عبدالعزيز الجنيدل
حينما يقول شخص ما إن بيته أفضل البيوت على الإطلاق!، ويصر على أن هذا ليس مجرد رأي فقط بل هو حقيقة يلح عليها.
هذه الحقيقة من وجهة نظري تستلزم وتتطلب من القائل عدة أمور منها:
- اطلاعه على جميع البيوت الموجودة في شتى بقاع الدنيا، لكي يستطيع أن يفضّل بيته عليها بعد مقارنة بيته مع تلك البيوت.
- وجود معايير معينة بنى عليها حكمه، فهل - مثلاً - حكم على بيته بأنه الأفضل بناءً على المساحة، أو الموقع، أو التصميم…
- اتفاق أصحاب الخبرة، ومن لهم باع طويل في البيوت، بأن بيته هو الأفضل بناءً على المعايير العالمية المتفق عليها بينهم في هذا المجال.
هذا المثال السابق أراه يصور، ويشخص واقع من يقول إن اللغة العربية، - أو حتى أي لغة أخرى - هي أفضل اللغات.
ولو قمت بتحوير المثال السابق (البيت) ووضعت مكانه اللغة العربية، لاستلزم ذلك من القائل بأفضلية اللغة العربية عدة أمور منها:
- اطلاعه على جميع اللغات، ومعرفته بها، ومن ثم، الوصول إلى الحكم بأفضلية لغته بعد أن عمل مقارنات بين لغته، واللغات الأخرى.
- وجود معايير علمية بنى عليها حكمه، فهل - مثلاً - اللغة العربية هي الأفضل بناءً على ظواهرها الصوتية، أو عدد كلماتها في المعاجم، أو بلاغتها… أو هي الأفضل من جميع الجوانب على الإطلاق.
- اتفاق العلماء « اللسانيين» على هذه المعايير، واعتمادها معايير ثابتة يمكن من خلالها القطع بأفضلية لغة ما على سائر اللغات.
لا يخفى عليكم صعوبة تحقق ذلك، فلا يوجد بين «اللسانيين» معايير معينة متفقة عليها يحكم بواسطتها بكون لغة ما هي أفضل اللغات، ولكي أصدقكم القول لا أعلم - بناءً على ما قرأت - أن اللسانيين يقطعون بأفضلية لغة ما على الإطلاق، خصوصاً في العصر الحديث، فكل لغة لها خصائص قد تختلف، وتتميز عن لغة أخرى، أما القطع بأفضلية لغة ما على سائر اللغات، فلا يقوله إلا من كان متحيزاً للغته، دون اعتماده على معايير علمية حقيقية، فكلٌّ سيذكر الصفات التي تميز لغته، فمثلاً سيكون دور القائل بأفضلية اللغة العربية انتقاء الخصائص التي توجد في لغته، ولا توجد في اللغات الأخرى، وهذا ما سيفعله أصحاب اللغات الأخرى، فهم سيأتون بخصائص لا توجد في اللغة العربية، وهكذا دواليك.
إذن هذا الواقع - كما أراه - ولا أجد مخرجاً منه، إلا من خلال وجود نص صريح من القرآن الكريم أو السنّة النبوية، يخبرنا بأفضلية اللغة العربية على سائر اللغات، ولا أعلم هذا بناءً على ما اطلعت، وإن وُجد بعض الأحاديث التي نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها ضعيفة، أو موضوعة.
لا يعني هذا الانتقاص من اللغة العربية، فهي لغة مثل اللغات الأخرى، وإن تميزت عنها بكونها لغة الإسلام، والعبادات، ولغة القرآن، ولكن هذا لا يجعلها اللغة الفضلى بين سائر اللغات.
أخيراً
القطع بأفضلية اللغة العربية لأنّ الله - سبحانه وتعالى - اختارها لتكون لغة خاتم الأديان (الإسلام)، يستوجب القول - بناءً على ما سبق، وبالمنطق نفسه - بأفضلية العرب على سائر الأمم الأخرى لأنّ الله اختار لغتهم لكي تكون لغة الإسلام، ولغة القرآن، ولأنّ الله اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عربي، ليكون خاتم الأنبياء، واختار مكة المكرمة المدينة العربية لكي تكون مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، وهذا بلا شك يتنافى مع رسالة الإسلام الخالدة التي تؤكد على عدم أفضلية عربي على أعجمي إلا بالتقوى.
وأما عن سبب اختيار الله - عزّ وجلّ - للغة العرب لتكون لغة خاتم الأديان، فـ(اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).