«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بات الناس كل الناس في بلادنا وغير بلادنا أسرى التقنية، مواكبة للعصر الذي نعيش فيه.. عصر التطور العلمي والتقني والمعلوماتي المتدفق بصورة يومية بل آنية.. وكل الناس الكبار والصغار الرجال والنساء يعيشون مفرداتها وتفاصيلها وحتى أزماتها. ومن هنا أمست وأصبحت التقنية مطلباً عاماً بل ومشاعاً للجميع. وهناك دول من وفرت خدماتها بصورة سهلة ويسيرة، بل نشروا خدماتها مجاناً في العديد من المواقع الخدمية وحتى في الشوارع الرئيسة والحدائق العامة. وتعامل الناس مع التقنية وعلى الأخص «الإنترنت» طوال السنوات الماضية مع وجوده كتقنية متطورة أسهمت في التقريب بين الناس، فبرامجه وتطبيقاته العديدة التي تتوالد يوماً بعد يوم جعلتنا جميعاً أسرى له. ويكذب من يقول إنه يستطيع الاستغناء عنها.. ومع تطور الإنترنت وتقنياته وخدماته التي تتضاعف بين آن وآخر، ومع انتشار الهواتف الذكية وتوفر أجهزتها المختلفة ومن مختلف الشركات في أسواقنا صار وجودها في جيوبنا وحملها في أيدينا جزءاً من عاداتنا.. وبتنا نشاهد نسبة كبيرة من المواطنين والمواطنات يداعبون شاشتها بأناملهم بصورة دائمة. ومن هنا نجد أن ميزانية الصرف على فواتير «الهواتف الذكية» وأجهزة التقنية صارت تبتلع جزءاً كبيراً من رواتب الجميع. بل هناك من يسارع لسداد فواتير هواتفه قبل سداد فواتير سلته الغذائية الشهرية أو الأسبوعية. فهناك التهديدات اللطيفة والمهذبة التي تصل عبر الرسائل لأصحابها بقرب فصل خدمة إرسال الرسائل. وهذا يعني بعد كم يوم سوف يقطعون عنك الخدمة. فلنتصور أن هناك أسرة مواطنة وغير مواطنة، ولديها عدد من الأبناء والبنات، جميعهم يملكون هواتف.. وسداد فواتيرهم التي تضاعف أرقامها مع تضاعف وتنوع استعمالاتها.. فهذا يعني أن «رب الأسرة الكريمة» سوف يقوم - وأمره لله - بسداد الفواتير، بدءاً بفاتورة أم الأولاد ومروراً بالأولاد ووصولاً للبنات.. ولو أخذنا مثالاً المواطن المحدود الدخل «أبا فهد» ولديه ثلاثة أبناء وفتاتان، وبالطبع معهم أمهم، وراتبه لا يتجاوز الـ10500 ريال، فعلى الرغم من توجيهاته المباشرة وغير المباشرة بعدم الإسراف في الاتصالات والاستخدامات غير الضرورية والمهمة إلا أنه يقوم بسداد ما لا يقل عن 2400 ريال لجميع الهواتف، ويتفاوت المبلغ من شهر لآخر! فإذا أضاف إلى ذلك حدوث صيانة طارئة لبعض أجهزة الكمبيوترات الشخصية للبعض منهم، فهذا يعني صرف مبلغ لم يكن في الحبان. ومن هنا نجد أن التقنية في العقود الأخيرة أسهمت في اقتطاع ما لا يقل عن 40 % من رواتب المواطنين. فلو اعتبرنا أن خدمات (الكهرباء) تقنية، فهذا يعني أن 30% من راتب أبي فهد وصل بسرعة لحساب شركة الكهرباء. فهو قد دفع الشهر الماضي ما لا يقل عن 4200 ريال (أربعة آلاف ومائتي ريال)، ولديه عدادان. فلا عجب بعد هذا أن يسير المواطن المتقاعد «أبا فهد» في طريقه للمسجد وهو يكلم نفسه.. ويدعو ربه مخلصاً أن يخفف عنه حمل مصاريف التقنية وما تولد عنها في السنوات الأخيرة، فراتبه التقاعدي هو هو لم يتغير رغم أن كل شيء في وطنه تنامى وتطور إلا «رويتبه» الجامد، ومع هذا وقبل هذا ما زال مواطناً شاكراً وحامداً..؟!