د.ثريا العريض
لم نعد نشتري احتياجات طبختنا من مصدر واحد أو نقيد أنفسنا بوصفات مطبخ معين. العالم كله سوق مفتوح, وعلاقتنا تبادلية نبيع ونشتري دون أن تملي علينا أي جهة تفضيلاتها لما تريدنا أن نأكل. ولذلك فما سيخرجه «الملاس» من قدرنا في 2030 يعتمد بالدرجة الأولى على ما وضعنا فيه منذ بدأنا التحول.
وفي طبخة واقعنا اليوم ما زال الاقتصاد هو المحرك الأولي إذ يحدد ماذا نستطيع أن نطبخ, ويظل الأمن الفكري هو نقطة الارتكاز الأمني عند القضية الأقدم والأهم من كل القضايا.
هي طبختنا ومكوناتها أصلاً, وأضافت إليها جهات انتهازية أهدافها وتخطيطها لإيصال المنطقة كلها إلى مرحلة الوهن والتفتت والعجز عن التحكم في مصيرها.
وإذا لا نقبل بهذه الوصفة نرى الأفضل أن نتسوق في كل موقع في العالم لنغير المكونات بانتقاء يناسبنا وبفكر تبادل المنافع. مددنا أيدينا نصافح الغرب والشرق؛ أمريكا وأوروبا وروسيا والصين واليابان وكوريا وسنغافورة والهند. ونرى الفضل أن يسود السلام والبناء لا زرع الشقاق والحروب والدمار.
قدرنا اليوم يغلي بالكثير من المكونات.. وعلينا أن نتحكم في الطبخة كي لا تحترق, أو تفور فنطفئ شعلة الطبخ, أو يتسلل من يضع فيها سما أو مخدرا.
بل هناك ما يجب منع إضافته للطبخة مهربا من الخارج, خاصة ما يغسل أدمغة المواطن -المتذمر اصلا من طعم الطبخة ومكوناتها القديمة- من ذلك التلويح بدور أكثر أهمية في خارطة المواطنة يكافئه على مقايضة وفائه للوطن بتنفيذ أطماع جهات أخرى تشد ولاءه نحوها لتحقيق مطامعها.
شبابنا المتعطش للشعور بالاستقرار والتقبل والأجواء الترفيهية في دفء العائلة وابتهاج المجتمع وحماية الأمن, ضحية مكشوفة سهلة الوقوع في براثن المترصدين لهم.
هنا حققنا مؤخراً ما يسر. حيث استعيد زمام الوجهة وتفاصيل الممارسات الاجتماعية بين المسموح والممنوع والمسكوت عنه, وأزيلت من الطبخة المجتمعية المكونات المنفرة المذاق , أو المسببة للمغص الوجودي, وأضيف ملح الفن ومتعة الترفيه البريء.
ربما حين تمنحهم طبختنا النكهة المفتقدة الى جانب المكونات الصحية التي تضمن النمو الطبيعي والإبداع الطبيعي ننجح في انقاذ أبنائنا ومستقبل أحفادنا بعدهم.
واليوم ونحن نبذل اقصى جهدنا مستقبلين حجاج بيت الله, ونثبت قدرتنا على إدارة حشود من شتى الخلفيات المجتمعية, ونقوم بواجب حمايتها, بودنا أن يغادرونا شاكرين ومشيدين بما عايشوه عندنا. وأن يستوعبوا مثلنا أن قضايانا المهمة كمسلمين ودول ذات سيادة ومجتمعات ذات خصوصية, ليست كلها سياسية كما يظن البعض, أو أدبية كما يرى البعض الآخر, ولا هي كلها جدل عقيم حول هويتنا وطنية أو مذهبية, بل تداخل علاقات عولمية وقومية ومحلية. خليط من كل هذه الروافد يصب في بوتقة الاقتصاد عبر معرفة الفرد وعلمه ورأيه محددة خيارات انتمائه الفكري.
وفي كل هذا يظل الأمن هو حجر الزاوية.