د. محمد بن يحيى الفال
برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لبلادنا للعام 2030 والتي عبَّر عنها عند إطلاقها - حفظه الله - بالتالي: «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك»، انطلقت قيادة بلادنا الشابة وعلى رأسها سمو ولي العهد ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وسمو ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، نحو تحقيق أهداف هذه الرؤية وجعلها حقيقة ملموسة لنا وللعالم أجمع. ومن أجل تحقيق الرؤية وبعيداً عن البيروقراطية الحكومية كانت أهم قرارات الملك - رعاه الله - هو إلغاء كافة المجالس والهيئات ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي والسياسي في بلادنا، وذلك منعاً لتضارب وازدواجية القرارات مع إطلاق مجلسين مختصين فقط وهما مجلس الشئون السياسية والأمنية الذي يرأسه سمو ولي العهد وزير الداخلية، ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية والذي يرأسه سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع، وأضحي المجلسان إضافة لمجلس الوزراء مثلثاً مختصاً لكل ما يتعلق بالعمل السياسي والاقتصادي لبلادنا.
ولعل من الضرورة هنا تسليط الضوء سريعاً على كل من رؤية المملكة للعام 2030 وأرضيتها التي تستند إليها والمتمثلة في خطة التحول الوطني 2020، فخطة التحول الوطني هي بمنزلة القوة الدافعة والأرضية التي تستند إليها الرؤية ومن خلال نتائجها سوف يتم تطبيق الرؤية وتصحيح مسارها إذا استدعت الوقائع على الأرض ذلك. وكما هو معلوم فقد تم اختيار 24 جهة حكومية مكونة من 16 وزارة و8 هيئات لتطبيق خطة التحول الوطني، وذلك بدءاً من هذا العام، وتتكون من خمس مراحل على مدار السنوات الأربع القادمة وحتى العام 2020، وتركز على حصر التحديات، تطوير المبادرات والخطط التنفيذية مع تعزيز الشفافية والمراجعة وتحسين المنتج. ولعل أهم ما تصبو إليه خطة التحول الوطني وما يميزها هو تعزيز مشاركة القطاع الخاص في عملية الاقتصاد الكلي للدولة وبخطة طموحة يتوقع منها خلق نصف مليون وظيفة للمواطنين في القطاع الخاص. فالدولة خلال السبعة العقود التي خلت كانت مسئولة وبشكل شبه كلي عن كل ما يخص إدارة شئون الاقتصاد بما فيها التوظيف، والذي أضحى توفيره أمراً يزداد تعقيداً مع الوقت بصعوبات جمة أهمها تزايد مضطرد في أعداد المؤهلين لسوق العمل والذين تدفع بهم الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية سنوياً. ويميز خطة التحول الوطني أنها لتنمية مستدامة قادرة على خلق وظائف باستمرار وقابلة للقياس على مدار سنواتها الأربع القادمة، وذلك من أجل تصحيح مكامن القصور فيها وتعزيز مكامن قوتها.
وتعمل خطة التحول الوطني بمنزلة الهدف القريب والأولي لتأهيل بلادنا لتطبيق الرؤية والتي هي بمنزلة الهدف الأبعد أو المستقبلي وتركز على ثلاثة مسارات أساسية هي: المجتمع، الاقتصاد والحكومة. وحيث إن الإنسان هو أساس كل عمل حضاري ركزت الرؤية على تأهيل المجتمع السعودي بقيم الدين والعروبة الراسخة والتي يعتز بها كل أفراده، وأهمية كونه مجتمعاً صحيحاً بدنياً ونفسياً واجتماعياً، مع تعزز لقيم مبادئ الرعاية الاجتماعية لكل أفراده ومكوناته. وفيما يخص الاقتصاد، فالرؤية تهدف إلى استغلال موقع المملكة وقوة تأثيرها على المستويات العربية والإسلامية والدولية لخلق تنافسية جاذبة بفرص استثمارات مُزهرة. وتسعى الرؤية بأن تكون نتيجتها النهائية هو تطوير مستمر ويواكب العصر ولا يتوقف لأداء الحكومة، يقابله ويسايره مواطنة مسئولة هي القوة الرئيسة الدافعة لنجاح الرؤية. فلا نجاح للرؤية من غير مساهمة أفراد المجتمع في تحقيق هذا النجاح، فالرؤية منهم وإليهم، وهم الأفكار والسواعد التي ستجعلها حقيقة على أرض الواقع.
فالحقيقة على أرض الواقع للرؤية هو الأمر الذي يسعى سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على جعله أمراً ملموساً وقابلاً للتحقيق والتطبيق من خلال رحلاته المكوكية لعدد من بلاد العالم ذات النفوذ الاقتصادي. ولعل المتابع يصنف رحلات سموه في هذا الخصوص حسب الدولة مقابل ما تتميز به من مميزات اقتصادية يؤمل منها أن تساعد في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. فقبل سنة ونيف خلت وفي سبيل إيجاد شريك فيما يخص جانب الطاقة من الرؤية قام سمو ولي ولي العهد بتوقيع اتفاقية مع روسيا تقوم فيها الأخيرة بإنشاء 16 محطة نووية في المملكة للاستخدامات السلمية وخصوصاً الكهرباء والماء عصبا كل عملية تنموية. والجدير ذكره هنا بأن تشغيل محطات الكهرباء وتحلية المياه في المملكة يحتاجان لقدر هائل من براميل المنتجات البترولية وهي أمر تتزايد وتيرته باستمرار مع تزايد المضطرد في عدد السكان. وقبل أشهر مضت وتحديداً في شهر رمضان المبارك قام سموه بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان محورها إيجاد شراكة لما يخص الرؤية في جانبي التقنية وتكنولوجيتها وصناعة الترفيه. واستغرقت الزيارة نحو 18 يوماً وشملت إضافة للعاصمة واشنطن كل من الساحل الشرقي الأمريكي وبوابته الدولية مدينة نيويورك وكذلك الساحل الغربي بلؤلؤتيه على المحيط الهادي مدينتي لوس أنجلس وسان فرانسيسكو حيث يقبع في جنوبي خليج المدينة وادي السليكون (SILICON VALLEY) والذي سمي بهذا الاسم كونه يضم عدداً كبيراً من الشركات العالمية المختصة في التقنية العالية والبرمجيات والتكنولوجيا المتطورة، حيث اطلع سموه على سبل تطوير علاقة تعاون وشراكة بين المملكة وبين هذه الشركات، وكذلك فقد تمت مشاورات ومناقشات للكيفية التي يمكن منها الاستفادة من الخبرة الأمريكية المميزة والفريدة في عالم صناعة الترفيه. ويأتي اهتمام سموه بالجانب التقني والترفيهي في زيارته لأمريكا انطلاقاً من حقيقة بأن غالبية سكان المملكة من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات من العمر، وهي فئة مهتمة باستخدام التقنية وتطبيقاتها وبشكل واسع ومتزايد. وعند ذكر التقنية فلابد من الإشادة هنا بدور وزارة الداخلية والتي تعد من أكثر الوزارات والجهات الحكومية استخداماً وتطبيقاً للتقنية في كافة أعمالها، وهو الأمر الذي سهل للمواطنين والمقيمين إنجاز معظم وإن لم يكن كل معاملتهم ذات العلاقة بالوزارة إليكترونياوفي وقت قياسي يضاهي أو بالأحرى يفوق في سرعة إنجازه كل مثيلاته على المستوى الدولي. ويبدو أن وزارة العدل ممثلة في وزيرها القيادي والشاب الدكتور وليد الصمعاني تسير على نهج وزارة الداخلية في تطويرها للآليات، وذلك من خلال خطتها المستمرة والطموحة الهادفة لميكنة كافة المعاملات في وزارة العدل وبشكل إليكتروني.
رحلات سموه ذات البعد الاقتصادي للرؤية قادته هذا الأسبوع للشرق وتحديداً لكل من الصين واليابان واللتين يمكن أن يطلق عليهما بالبوابة الشرقية للرؤية، لما لهما من أهمية قصوى وتأثير في اقتصاد العالم، وما للمملكة معهما من علاقات اقتصادية وثيقة يؤمل منها أن تكون ركيزة وداعمة لمزيد من التعاون معهما لتحقيق رؤيتنا للعام 2030. فالصين التي استهل سموه بها رحلته نحو الشرق مثال يحتذى به لما حققته من تطور مذهل وفي وقت قصير نسبياً. فالصين ذات الحكم الشيوعي لم تكن وحتى منتصف السبعينات من القرن المنصرم سوى بلد ضعيف اقتصادياً ومثقل بكل أنواع المشكلات والتخلف. ولكن ومع تسلم زعيمها الراحل دينج شياو بينج مقاليد الحكم في الصين عام 1978 وضع خطط الإصلاحات الاقتصادية وركز فيها على أهمية أن يكون للصين جزء من اقتصادها يعمل بالآليات الرأسمالية وأهمها اقتصاد السوق. ووضع خطة إستراتيجية لمدة 50 عاماً لتحقيق ذلك، وأكد أنه وبنهاية فترة الخطة وهو العام 2028 سوف تتربع الصين على اقتصاد العالم. وبفتح أبواب السوق وبعيداً عن التنظير الشيوعي انطلقت الصين كمارد خرج من قمقمه لتضحى اليوم واحدة من أكبر الاقتصاديات الدولية. فالصين لديها الكثير مما يمكن أن تساعد به المملكة لتحقيق رؤيتها وخصوصاً أنها هي أيضاً مرت بتجربة تطوير ناجحة ومشاركاتها المملكة بخبرتها سوف يكون قطعاً مثمراً للرؤية وإنجاحها خصوصاً في مجالات التشييد والبناء والإنشاءات والصناعات التحويلية والخفيفة. وفي اليابان والتي ستكون محطة سموه الثانية في زيارته الآسيوية، فالتجربة اليابانية ليست أقل مدعاة للإعجاب من التجربة الصينية، فاليابان التي خرجت مهزومة في الحرب العالمية الثانية بعد أن ألقت عليها الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي ونتج عن ذلك توقيعها الاستسلام رسمياً في الثاني من سبتمبر 1945، استطاعت خلال أربعة عقود فقط أن تتربع على عرش التجارة العالمية بصناعة سيارات مميزة وقائمة طويلة من المنتجات الكهربائية والإلكترونية التي غزت العالم وما تزال. ومما سوف يساعد كثيراً في مساعدة اليابان للمملكة في تنفيذ رؤيتها هو التعاون القائم بين البلدين في العديد من المشاريع ذات الاستثمارات الضخمة كصناعة البيتروكيماويات وصناعة تكرير النفط الخام. وخلاصة القول إن التجربتين الشرقيتين الصينية واليابانية كانتا من وراء زيارة سمو ولي ولي العهد لهموتعاونهما سوف يكون قطعاً في غاية الأهمية لتحقيق رؤيتنا للعام 2030 وستكون الاستفادة من التجربتين عظيمة وحقيقية لو استطاعت المملكة إقناعهما بالتعاون سوياً معها بغض النظر عن مشكلاتهما السياسية بسبب جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وحرباهما في الماضي، وذلك من خلال مجلس اقتصادي استشاري ثلاثي يجمع الدول الثلاث: المملكة، الصين واليابان، من أجل مصالحهم الاقتصادية بمسمى «الثلاثي الاقتصادي الآسيوي»، (THE ASIAN ECONOMICAL TRIO).