د. عبد الله المعيلي
للكراهية في الإسلام ضوابط وشروط ومعايير، وكلها مرتبطة بثوابت الإسلام، وبالتالي المسلم يكره وفق هذه الضوابط المشروعة، ولا ضير في ذلك، بل الكراهية أمر مطلوب في الحالات التي يخرج فيها الإنسان عن أطر الدين الحنيف، وبالتالي فهذه الحالة من الكراهية لا تدخل ضمن فكرة المقال ومضامينه.
سؤال كبير يفرضه الواقع، لماذا نكره؟
نكره لأن هناك من علمنا أن نكره أشخاصًا أو جماعات بناء على معايير من صنع الإنسان نفسه، البعض يكره لأنه فقد المعاني البشرية والإنسانية، نظرًا لجهله وتكبره، الكراهية نتاج تعليمات أناس جهلاء، أناس لا يعرفون مدى تأثير الكراهية في النفس والسلوك، ربو الأجيال على أفكار خاطئة، وهي أن هناك عديدًا من الأعراق البشرية، بينما الحقيقة ألا يوجد أعراق وفروق بين البشر، هناك عرق واحد فقط على وجه الأرض من البشر، والكل ينتمي لهذا العرق، إنه الجنس البشري، الجنس الذي تناسل وتكاثر من أبوي البشر كلهم، آدم وحواء عليهما السلام، ولكن هناك من قسم الناس لأعراق، لكي يتسنى للبعض أن يتباهى بنفسه ويعدها أسمى وأشرف وأرقى من الآخرين، ظنًا منه أنه بهذا يحقق مكانة ودرجة عالية عن غيره.
لكن الواقع أثبت أن انعكاسات هذا التقسيم كانت سيئة على الجميع، لهذا يجب تجاوز هذا الأمر والخلاص منه، ليس هناك جينات مسؤولة عن العنصرية والكراهية للمكونات المجتمعية، الفطرة البشرية نقية، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا) النساء الآية 1، أربع آيات في أربع سور كلها تؤكد أن الخلق والنشأة واحدة، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) الحجرات الآية 11.
لا أحد يولد حتما وهو كاره للناس نظرًا لانتماءاتهم المذهبية والقومية، لذا ما أحوج المجتمعات البشرية أن تعمل جاهدة وبصفة مستعجلة إلى نبذ كل ما في العقول والأدمغة من صور الكراهية واللمز والتنابز بالألقاب، وأخص الكراهية واللمز والتنابز العرقية والمذهبية.
على مؤسسات التكوين المعرفي - الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام المسموع والمرئي والمقروء - أن تبادر إلى تطهير الناس وتخليصهم من كل صور الجاهلية، جاهلية الكراهية والعنصرية التي ولدت فئات مجتمعية عدت نفسها أنها الأفضل، وفئات أنها أسوأ وأحقر من غيرها، نظرًا لكونها لا تنتمي إلى منطقة معينة أو قبيلة، أو نظرًا للون بشرتها، لون البشرة لا علاقة له بمدى قدرات الإنسان العقلية، ولا بقيمته بصفته إنسانًا مثل غيره من الناس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شعوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أن أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (13) سورة الحجرات
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب).
هذا هدي الله، وهذا منهج رسول الله، المنشأ واحد، وبالتالي يتفاضل الناس عن بعض بتقوى الله، وذلك بأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
مصيبتنا أننا نعلم ولا نعمل، وما زال البعض أسير تعليمات الجاهلية.