غيّب الموت رئيس مجلس إدارة نادي الاتحاد الأستاذ الوقور أحمد عمر مسعود -رحمه الله- وبرحيله خسر نادي الاتحاد رئيسه الذهبي وأحد رجالاته الأفذاذ وخسرت الرياضة السعودية أحد رموزها النبلاء.
لم أزل أتذكر المرة الأولى التي شاهدته فيها عبر التلفزيون وهو يتسلم كأس بطولة ولي العهد للموسم الرياضي 1411هـ/ 1991م بعد فوز الاتحاد على النصرحيث كانت تلك البطولة هي الأولى في رصيده كرئيس غير أن الانطلاقة الحقيقية كانت خلال فترة رئاسته الثانية الممتدة من الموسم الرياضي 1419هـ/ 1999م وحتى نهاية الموسم الرياضي 1422هـ/ 2001م حيث حقق الاتحاد خلال هذه الفترة الذهبية ثماني بطولات يأتي في طليعتها كأس دوري خادم الحرمين الشريفين (الدوري الممتاز) حيث احتكره الاتحاد ثلاث سنوات متتالية أعوام 1419و 1420و1421هـ كما حقق كأس ولي العهد عام 1421هـ وقبلها كأس الاتحاد السعودي لكرة القدم (كأس الأمير فيصل بن فهد) عام 1419هـ كما شق نادي الاتحاد في عهده طريق البطولات الخارجية عبر ثلاث بطولات كانت كأس البطولة الخليجية للأندية أبطال الدوري عام 1419هـ وكأس الكؤوس الآسيوية عام 1420هـ وكأس الملك فهد للسوبر السعودي المصري عام 1422هـ، واستحق بعد تلك المنجزات القياسية أن يُلقب بالرئيس الذهبي لنادي الاتحاد، وبعد سنوات من الابتعاد عن المشهد الرياضي عاد أحمد مسعود رئيسا للاتحاد لفترة ثالثة بدأت قبل أشهر وانتهت في 1 سبتمبر 2016 حين لبى نداء ربه فجر ذلك اليوم، رحل مسعود ولنا في تجربته دروس مليئة بالعبر وتستحق التدبر والتأمل ويمكنني إيجازها في النقاط التالية.
رغم عدد البطولات القياسية التي حققها الاتحاد في فترة وجيزة خلال رئاسته إلا أنني لا أتذكر له تصريحا تلفزيونيا أو إذاعيا أو صحفيا تهكم فيه أو سخر من فريق منافس ولم يُؤثَر عنه- رحمه الله- أنه قام بعمل تكتل إعلامي للثناء على شخصه وعلى منجزاته أو أوعز لأي صحفي تمرير إسقاطات معينة خارجة عن الروح الرياضية أو مخلة بحدود اللياقة الأدبية، بل على العكس كانت علاقته بجميع الأندية بلا استثناء في منتهى الاحترام والتقدير، وكان تعامله مع الجميع فائق الذوق والقيمة الأخلاقية وما ذاك إلا لأن الكبير في ذاته وأخلاقه تأبى تصرفاته إلا أن تسير على نفس المنوال، وهكذا كان الرئيس الذهبي أحمد مسعود رحمه الله.
«كان- رحمه الله- يتميز بابتسامة مشرقة لاحظها كل من عمل معه أو التقى به وكأن تلك الابتسامة تعكس نقاء السريرة وطيبة القلب والرضا والاطمئنان العظيم كيف لا وهو الرجل الذي لم يتأخر يوماً عن أعمال الخير بعيدا عن الأضواء وثناء الناس مبتغيا بذلك وجه الله والدار الآخرة وما ترؤسه لمجلس إدارة جمعية البر بجدة إلا تجسيدا لهذا المعنى الأثير في نفسه وما يعتقد بأنه واجب عليه، وكثيرة هي القصص التي قرأتها برواية المقربين منه عن أعمال الخير والبر التي لم نعرفها إلا بعد وفاته- رحمه الله- وهذا يؤكد على حقيقة ثابتة بأن الأصل الثابت ورأس المال الحقيقي هو الاستثمار في كل ما يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، لذلك أحسب الأستاذ أحمد- رحمه الله- ولا أزكيه على الله من الذين اجتهدوا في هذا المجال فرأى الجميع ثمرة ذلك في محياه المبتسم وسعة رزقه وأخيرا الثناء الواسع الذي لقيه بعد وفاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا (تويتر) حتى من الذين لم يتلقوا به مطلقا ولكنه القبول حين يُودْعه ربُّ البشر في قلوب البشر لعبد من عباده نحسبه كذلك ولا نزكّي على الله أحدا.
ما حققه الراحل أحمد مسعود من بطولات وأرقام قياسية مع فريقه الاتحاد سيحفظها له التاريخ لأنها لم تأت من فراغ بل كان وراءها عمل دؤوب وبذل كبير للمال والوقت والصحة، وهذا شأن كل رئيس ناد رياضي جماهيري يعمل باجتهاد و يسترخص كل غال لأجل تحقيق ما يصبو إليه هو شخصيا وما تنتظره منه الجماهير الكبيرة غير أن اللافت للانتباه أنه بعد وفاته- رحمه الله- لم تنتشر صورة له مع كأس بطولة تحققت في عهده كانتشار صورته وهو يقدم وجبات الإفطار للصائمين في سياراتهم قبيل أذان المغرب في شهر رمضان الماضي، وكذا صورته وهو يتلو ما تيسّر له من القرآن الكريم عبر هاتفه المحمول مستغلا الوقت أثناء متابعته لمران الفريق ربما لم يكن المرحوم يعلم عن الذي قام بتصويره لكنها كانت هي اللقطة الأبرز التي حضرت بعد وفاته وسبحان الله لا يتذكر الناس عند وفاة أي شخص سوى أعماله الصالحة فيبادرون إلى نشرها وتداولها حتى وإن كان لدى الشخص صولات و جولات في عالم الرياضة أو الأدب أو الإعلام أو في أي مجال من المجالات إلا أن الصور التي تتصدر المشهد بعد الوفاة هي المتصلة بشكل مباشر بالعمل الصالح من صدقة وصلاة وتفطير صائم وتلاوة القرآن، كل هذه المعاني تهز المشاعر عسى أن تتعظ نفوسنا وتستعد لما ينتظرها.
رحم الله أحمد مسعود وتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
- محمد السالم