د. عبدالواحد الحميد
صار بوسع محبي قراءة الكتب في العالم العربي الحصول على بعض أحدث الكتب بالمجان بعد أن وجدت هذه الكتب طريقها إلى المواقع والمكتبات الإلكترونية التي تتيح تنزيلها دون مقابل. وهذا من وجهة نظر القارئ أمرٌ جيد لأنه يتيح له العثور على ضالته من الكتب دون أن يدفع قرشاً واحداً، والأهم من ذلك دون أن يعبأ برأي الرقيب الرسمي الذي يحدد المسموح به والممنوع من الكتب!
لكن الضحية هو المؤلف الذي تضيع حقوقه، فكتبه توزع وتُتَداول دون علمه ولا يتقاضى ما يعوضه على الأقل عن أتعابه المادية فضلاً عن حقوقه الفكرية والمعنوية، كما أن الناشر يخسر أيضاً لأنه لا يحصل على المردود المادي الذي يحقق له تغطية تكاليفه وقد يدفعه ذلك إلى الخروج من صناعة النشر.
في معرض الرياض الدولي للكتاب سألت البائع في دار الآداب عن كتاب للراحل سهيل إدريس صاحب الدار المشهورة، فأخبرني أن الدار تعاني من سرقة حقوقها من بعض المواقع الإلكترونية التي تتيح تنزيل الكتب دون أن تدفع للناشر مقابل استخدام الحقوق، وبسبب ذلك فقدت الدار الحافز في بعض الأحيان لنشر بعض الكتب، بما في ذلك كتاب سهيل إدريس نفسه.
وفي القاهرة هناك حديث بأن «هيئة الكتاب» الرسمية أصدرت مجموعة قصصية جديدةً لنجيب محفوظ لم يسبق أن أصدرها الأديب الراحل في كتاب، وهي تمثل بداياته حينما كان كاتباً ناشئاً ينشر قصصه القصيرة في بعض المجلات. وقد سبق أن رفض نجيب محفوظ نشرها في كتاب لأن تجربته الكتابية تجاوزت تلك البدايات. كما أن أسرته التي تهدد بمقاضاة الهيئة لم تسمح بنشرها.
وضياع حقوق المؤلفين والناشرين في العالم العربي أمر معروف منذ زمن طويل، فقد كانت المطابع البيروتية تطبع ما يحلو لها من الكتب دون أن تهتم بحقوق المؤلفين أو الناشرين. لكن الغريب هو أن تتجرأ مؤسسة ثقافية رسمية هي «هيئة الكتاب» بمصر على التعدي على حقوق المؤلف.
مثل هذه الممارسات لا يمكن أن تحدث في العالم المتحضر الذي يحترم حقوق الملكية الفكرية للمؤلفين والمخترعين والمفكرين وكل أصحاب الإبداعات الجديدة. بل إن البلدان الغربية أصبحت تلاحق الدول الأخرى التي يتم فيها انتهاك الملكية الفكرية لمواطنيها وشركاتها.
والسؤال هو: إذا كانت البلدان الغربية نجحت في حماية الملكية الفكرية لمواطنيها وشركاتها، من يحمي حقوق الكاتب العربي الذي يرى مؤلفاته معروضة بالمجان في المواقع الإلكترونية؟
وزارات ومؤسسات الثقافة بالطبع هي المسؤولة، ولكن ماذا يمكن أن نقول إذا كانت بعض المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة هي أول المتجاوزين!