د. أحمد الفراج
سأتحدث عن الحزبيين، فموضوعهم لا ينتهي، وتناقضاتهم يراها الأعمى، ويسمعها الأصم، وهم يتناقضون كما يتنفسون، وأتعجب أشد العجب ممن لا يزال يثق بهم، ويستمع إليهم، إلا إذا كانت المسألة مكابرة، فهذا شأن آخر، وسأتجاوز هنا تناقضهم الأساسي، أي حديثم عن الزهد، وهم من لا يفتح فمه إلا على وقع الأصفر الرنان، فمحاضراتهم مدفوعة الثمن، ويسكنون من المساكن أغلاها، ويركبون أفخم ما تنتجه المصانع الغربية من السيارات، ناهيك عن ولعهم بالعقار وما يتعلق به وبتجارته، أما أبناؤهم فهم يستمتعون بالدراسة والعيش في الغرب، في الوقت الذي يتحدث فيه آباؤهم عن الجهاد، ويغررون بأبناء الآخرين، ويرسلونهم للمحارق. أما تجار الدماء منهم فهم حكاية تحتاج إلى رواية محبوكة توثقها، إذ يستغلون بعض الوجهاء من الأثرياء البسطاء، ويقنعونهم لدفع عشرات الملايين لذوي الدم، ثم يتقاسم تجار الدم هذه الملايين الطائلة مع ذوي الدم، عطفاً على اتفاقات مسبقة، ولعل الركبان قد سارت بقصص تاجر الدماء الشهير، الحاصل على شهادة عليا من جامعة «هلكوني» العريقة، بتخصص «احتيال»، مع مرتبة الشرف الرفيع.
ذات يوم، ثار الحزبيون ضد شاب مضطرب، أساء لمقام النبوة، وهي ثورة مقبولة لمواجهة مثل هذه الإساءة. هذا، ولكن الحزبيون ذاتهم صمتوا صمت الموتى، عندما تجاوز أحدهم كل الخطوط الحمراء في الإساءة للدين، وألف - والعياذ بالله منه ومن حاله - سورة قرآنية من رأسه، وهي جريمة تستوجب الاستتابة، والعقاب القاسي، ولكن الحزبيين لم يكتفوا بالصمت عن ذلك، بل أخذوا يدافعون عن المسيء،!! ما يعني أن صاحبهم الحزبي أهم عندهم من كتاب الله، وما زالوا يتحاشون الحديث عن ذلك، بل ويكرهون كل من يثير هذا الأمر، وبعد ذلك، تحمس أحد مهرجي التنظيم، والذي اشتهر بنشر كتب باسمه، لا يعلم عنها شيئاً، حتى نخفف اتهامه بسرقة كتب الآخرين، تحمس أخونا هذا، أيام الثورات العربية، واستهزأ بآيات قرآنية، وحرفها لتتواءم مع توجهات ثورة مصر، ومرة أخرى تستر عليه أصحابه الحزبيون، ولم ينكروا، إكراماً لعيون التنظيم الذي يتلبس بالدين زوراً، ومرت الحكاية، ثم هناك المضطرب الحركي الشهير، الذي أعلن أن توحيد الله بالعبادة يضايقه!!، وصفق له جماعته الحزبيين، مع أنهم كانوا سيملؤون الفضاء صراخاً، لو ارتكب هذه الموبقات أي أحد لا ينتمي لتنظيمهم السياسي الخطر، ولا يسمح المجال لذكر المزيد من الأمثلة، التي تفضح تجار الدين، ممن يستخدم هذا الدين لأغراض سياسية بحتة.
ومع أنني أشاهد، كمراقب، مقدار انحسار الشعبية والتبعية للحزبيين، بسبب ما ذكرت من أمثلة آنفاً، إلا أنه يصعب عليَّ تصديق أن هناك من ما زال يتبع هؤلاء الدجالين مثل القطيع، رغم انكشاف حقيقتهم، وتناقضاتهم، وولاءاتهم المشبوهة، ولا أدري كيف يعطل هؤلاء الأتباع عقولهم، إذ يبدو الأمر كما لو أنها تمت برمجتهم على التبعية العمياء، والدفاع عن رموز حزبية مفلسة، إذ رغم كل الحقائق التي يراها الجميع، ما زال هؤلاء الأتباع معطلين لعقولهم التي منحها الله لهم ليتفكروا، وهنا يأتي دور المخلصين لانتشال هؤلاء البسطاء، المغرر بهم، من مخالب الحزبية، وهي مهمة ليست باليسيرة، ولكنها ليست مستحلية، وربما لو أدركوا مغبة تعطيل عقولهم، لتغيرت الأمور جذرياً، وهذا ما نرجوه ونأمله ونعمل عليه.