د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
عدت من عمّان أنا وزميلي أ.د. خالد عبدالكريم بسندي يوم الخميس 22 من ذي القعدة 1437هـ بعد أنْ قضينا أربعة أيام في دورة تدريبية ضمت مجموعة مختارة من أساتذة الجامعات العربية، كان الهدف منها تأهيلنا لمراجعة ما أنتجه فريق المعالجة اللغوية لجذور العربية وفروعها في إطار المدة المحددة لأول مراحل هذا المشروع. يعتمد العمل في معالجاته ومراجعاته على بوابة شبكية خاصة، وهذا يتيح للمعالج أو المراجع العمل في أي مكان في العالم.
نظمت الدورة جامعة آل البيت في العاصمة الأردنية ومعجم الدوحة التاريخي، سمعنا في يومين متتاليين شرحًا نظريًا معززًا بالأمثلة المختارة بدأ المحاضرات أستاذنا الدكتور محمد خميس الملخ ثم الدكتور محمد العبيدي فالدكتور محمد الخطيب، ثم قضينا يومين في تدريبات تطبيقية بحضور المحمدين لإرشادنا إلى الطرائق الصحيحة، كانت الدورة مكثفة متشعبة المطالب، ولكن تفاني أستاذينا وصبرهما وتشجيعهما من أهم عوامل الإقدام على العمل والجسارة على الرغم من الإحساس الملازم بثقل المسؤولية وبدقة العمل الذي لا يقبل التسمح أو التردد في اتخاذ القرار، زودنا الأستاذان بجملة من الآليات التي أحسبها ستفيدنا في أعمالنا الأخرى، وسنحاول نقلها إلى أبنائنا الطلاب، كان ما سمعناه منهم مدهشًا مثيرًا للإعجاب، وأهم ما لفت الأنظار عشق أساتذتنا لهذا المعجم الذي نأمل خيرًا في الاستمرار في العمل فيه، ردد علينا الدكتور محمد العبيدي أنّ الحماسة للعمل والرغبة فيه والإيمان بالمعجم هي أهم وقود الإنتاج. في المعجم التاريخي تنسدل ستائر من التراث ترى كيف تنقلت الكلمة فيها بدلالاتها، وترى كيف يرتبط الماضي بالحاضر، وترى الكلمة يستعملها رجل الشارع اليوم وتحسبها من لغة يومه فإذا المعجم يكشف لك بعدها التاريخي وأنها مغرقة في القدم. إن يكن المعجم التاريخي مهمًّا لكل اللغات فهو أهم وألزم للغة العربية؛ لأنها لغة متصلة فما زلنا نقرأ الشعر الجاهلي والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف فنفهمه أو نفهم كثيرًا منه سوى بعض الغريب الذي يعرض لاستعمال اللغة في كل عصورها، ونحن نسمع الشعر النبطي فنجد من ألفاظه ما يحتاج إلى فضل تفسير وتأويل. إنَّ عملاً علميًّا عظيمًا كهذا يواجه مصاعب جمّة؛ لأن البنية التحتيّة التي يراد لها أن تكون منطَلقه ليست محررة تحريرًا يغني عن كثير من العمل؛ فالمعالج والمراجع يجدان نفسيهما يحققان النصوص المحققة، ويضطران لتحقيق أعمال غير محققة أو هي بمنزلة غير المحققة. يتعامل المعجم التاريخي مع الألفاظ حيّة في سياقاتها ليلتمس ما تنطوي عليه من المعاني، فهو يتأمل السياق ليحرر المعنى، وهو أمر يختلف عن معاجم الألفاظ التي تستقصي الألفاظ لتبحث لها عن معانٍ في العربية من شواهد مختلفة، ولعل في عمل الخليل المبني على إحصاء الجذور ومعرفة تباديلها خير مثال للصناعة المعجمية البادئة باستقراء الجذور والكلم الذي يتألف منها. يجعل المعجم القائم علىلمعالجة أو المراجعة في مواجهة مباشرة مع اللغة بكل ما يضطرب فيها من استعمال وما تزخر به من سياقات قد تبلغ حدًّا مرهقًا لمن يتتبعها ليستنطقها وليستشف معاني الكلم فيها. تحيّة إكبار للعاملين في هذا المعجم الذي خرج عن إطار أبراج المجامع العربية القديمة على فضلها الذي لا ينكر وتقدمها المعتبر وجهدها المشكور، إنّ المعجم التاريخي للغة العربية عمل عربي لا حدود له، ولا مكان له، ولا تحكمه توجهات سياسية أو مذهبية أو عرقية، بل الغيرة على العربية وتراثها.