سهام القحطاني
- تحية عظيمة لأبطالنا البواسل على الحد الجنوبي -
كما أن الحضارة يصنعها العلماء والمفكرون، فالتاريخ يصنعه الأبطال الذين ضحوا بأروحهم من أجل وطنهم وشعبهم.
* *
لا شك أن عاصفة الحزم قد أسست مفهوماً جديداً للبطولة السياسية والعسكرية والتاريخية في الوجدان الجمعي السعودي، الذي كان يعتمد طوال الحقب ما قبل عاصفة الحزم على «استيراد نموذج البطولة» سواء على المستوى العربي أو الإسلامي أو العالمي؛ لخلو تاريخه الحديث من نموذج بطولي من ناحية، وإخفاق صنّاع المقررات التاريخية المحليين من صياغة تجديدية لرمزية البطولة التي تمثّلت في الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله-، صياغة كانت ولا تزال تُقدم هذا النموذج لرمزية البطل بصورة باهتة أقرب إلى المعلومة الفجّة وأبعد عن الصياغة الإبداعية التي يستشعر الوجدان الجمعي من خلالها بعظمتها، وهو ما أحدث فراغاً وجدانياً لقيمة البطولة في الذهنية الشعبية السعودية مُلئت فيما بعد ببطولة المتطرفين والإرهابيين.
* *
لقد استطاعت عاصفة الحزم أن تقدّم للوجدان الجمعي السعودي والعربي «نموذج البطل السياسي» الذي تمثّل في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله-»نموذج المُنقِذ» الذي أخرج العرب من ردة الفعل إلى الفعل، النموذج الذي حمى البلاد ودول الخليج من الغزو الشيعي وأطماعه الاستحواذية.
كما قدّمت للوجدان الجمعي السعودي «نموذج البطل العسكري» الذي تمثّل في الأمير «محمد بن سلمان»، والحقيقة أن «محمد بن سلمان» استطاعت مؤهلاته أن تقرّبه من نموذج البطل العسكري فهو يمتلك كاريزما القائد، إضافة إلى «طبيعة السنّ» فهو يمثّل الشريحة الأكبر من سكان السعودية التي تنتمي إلى فئة الشباب، وهو ما جعله سريعاً «أيقونة للشباب السعودي المعاصر» المنفتح على التقنيات ووسائط الرأي العام، وقربه إلى تلك الشريحة دون تعقيدات اللقب، فقيمة البطل في بساطته.
واستطاعت أيضاً عاصفة الحزم صناعة «نموذج البطل التاريخي» في الوجدان الجمعي السعودي من خلال «الجندي الباسل» المرابط على الحدّ الجنوبي، الذي يدافع عن شعبه بحياته.
قبل عاصفة الحزم كان ينظر الكثير من الناس إلى «الجنود بكافة رتبهم» بأنهم مجرد» موظفون في الجيش» مرّفهون ويتمتعون بالكثير من الامتيازات، لكن بعد عاصفة الحزم اختلفت نظرة الناس إلى الجندي من كونه مجرد موظف في الجيش إلى «نموذج للبطل التاريخي» الذي يضحي بحياته من أجل شعبه.
ولذا فمن واجبنا نحو هذا النموذج «ترميزه كبطل تاريخي»بصورة واضحة وراقية حتى يقتدي به الشباب، ليحلّ محل البطولة الدينية التي جرّت علينا ويلات التطرف والإرهاب.
لا شك أن قرار وزارة التعليم بإدراج عاصفة الحزم وإعادة الأمل في المقررات هو بالتأكيد قرار سليم، لكن القيمة لا تتم فقط بالقرار إنما بالكيفية التي ستقدم من خلالها عاصفة الحزم أعظم حدث بطولي في تاريخ السعودية المعاصر حتى يستشعر بها وجدان النشء،تقديم يبتعد عن المعلومة السطحية المملة المفرّغة من وجدّنة الواقع. ولذا فتقديم عاصفة الحزم من خلال المقررات الدراسية تحتاج إلى صناعة صياغية تتميز بالتشويق والإبداع حتى تجذب الشباب و تُرسخ في عقولهم مفهوماً جديداً للبطولة بعيون سعودية، مدعمة بأسماء الجنود البواسل الذين دافعوا عن الشعب وصورهم وسيرهم الذاتية وحكاياتهم في الميدان الحربي ليحفظ لهم التاريخ حقهم في البطولة والتضحية، وذلك الحفظ لحق البطولة وتخليدها ليس قاصراً على وزارة التعليم، بل يشمل وزارة الإعلام والثقافة والأندية الأدبية اللتان يجب أن تشاركا في الترهيص لصناعة البطولة السعودية التي تأسست مع عاصفة الحزم. فالثقافة السطحية هي التي تعجز عن استثمار بطولاتها التاريخية لإعادة خلق تفكير المجتمع، والثقافة الحقيقية هي التي تستثمر الأحداث العظيمة لصناعة الوعي الجديد.