قبل عدة سنوات كنت مهووساً جداً بالرياضة، وتحديداً بكرة القدم، وأحسب أنني في الآونة الأخيرة قد صرت أقل تعصباً من السابق وقد صار بإمكاني متابعة المباريات الهامة لفريقي دون أن تشتد أعصابي للدرجة التي تجعلني أطفئ التلفاز لألتقط أنفاسي من شدة الحماس والخوف والغضب.
في تلك الفترة كنت أكتب في المقالات الأدبية والثقافية في المنتديات الالكترونية، وأحياناً أطرق باب المقالات الرياضية ولكني أنشرها في الصحف، وقد أتيحت لي في تلك الفترة فرصة للدخول إلى عالم الكتابة الرياضية من أوسع الأبواب، إذ طلبت مني صحيفتان الانتظام معهما في الكتابة فوافقت على الفور. وقد كنت في تلك الفترة أرغب في حمل لواء الدفاع عن فريقي المفضل بما يخطه قلمي. وبعد أن وافقت تساءلت في نفسي: هل أستطيع التخلي عن ميولي حين أكتب؟ هل يمكنني الكتابة بحيادية تامة دون الانحياز لفريقي المفضل؟ وعرفت أنه كان من الصعب علّي جداً آنذاك أن أكون حيادياً في طرحي دون أن تتغلب علّي عاطفتي، وهذا ما يتناقض مع مبدأي حيث كنت مؤمناً أن (المقال رسالة) وكتابتي للمقال بعاطفتي سيجعل من هذا المقال فخاً لهذه الرسالة التي أود إيصالها، لأنها قد تزيد من الاحتقان في المجتمع الرياضي، بينما كنت ومازلت منذ أن كنت أكتب مقالاتي في المنتديات الالكترونية أحمل رسالة واحدة أريد إيصالها عبر مقالاتي هي (الحب، السلام).
وحين سألت نفسي بتلك الأسئلة ووجدت أن الإجابة هي (لا) قررت أن أمنع نفسي من خوض هذا المجال من الكتابة، ونقضت موافقتي معتذراً بظروفي. كان هذا على الرغم من ملامة بعضهم وعتبهم علّي، إلا أن مبدئي كان أهم لدي من نقضه.
إن المقال اليوم يصنع وعياً وإدراكاً ويبرمج العقول برمجة سلبية أو إيجابية، بل إنه قد صار مشروعاً تنويرياً وإصلاحياً لكل خلل، لذلك فإن على من يتصدى وينبري لهذا المشروع في أي مجال من مجالات الكتابة، أن يكون أميناً في طرحه صادقاً في رأيه، فصناعة الوعي وتبصير المدارك يعدان مسؤولية عظيمة تناط بالكاتب.
فلم تعد الكتابة الصحفية مجرد ترف واستعراض للعضلات اللغوية، بل هو رسالة يحملها كل كاتب، فهي تزج بالكاتب في ذهنية القارئ الشغوف، الذي ينتظر من كاتبه المفضل لغة إيجابية وحلول لما يحدث من قضايا في المجتمع. وبرأيي المتواضع فإن كتابة المقال تتبنى ترميم الفكر الإنساني، وتشارك في صناعة الذهنية الإيجابية، من خلال نقد كل الأمور السلبية التي من شأنها أن تخرجنا من عباءة الإنسانية، إلى الوحشية أو البربرية، التي لا تراعي القيم الإنسانية على الإطلاق.
وأختم بقول تيري تيمبست وليمز حين سألوها لماذا تكتب فقالت: بأنها تكتب لكي تتصالح مع الأشياء التي لا تستطيع السيطرة عليها، لكي تصنع نسيجاً في عالم يظهر غالباً بالأبيض والأسود، تكتب لكي تكتشف ولكي تكشف، لكي تواجه أشباحها، لكي تبدأ حواراً، تكتب لكي تتخيل الأشياء على نحو مختلف، وبتخيلها للأشياء بشكل مختلف، فإن العالم ربما يتغير.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @