سعد بن عبدالقادر القويعي
رغم رفض المملكة العربية السعودية لمسيرات البراءة من الشرك، وتأكيدات كبار علماء المملكة: على أن هذه المسيرات، بدعة لا أصل لها في الشرع الحنيف، فقد حذّر إمام، وخطيب المسجد الحرام -الشيخ الدكتور- سعود الشريم حجاج بيت الله الحرام: «من رفع الشعارات التي لا صلة لها بالحج خلال أداء المناسك»، مؤكدًا أن ذلك مما أبطله الإسلام: «وأنه لا مجال لمزايدات في شعارات لا صلة لها بالحج، ولا مجال في شرخ نسك العبادة فيما ليس منها».
بل دائماً ما تُحذر السعودية، من أنها لن تسمح بأي عبث بأمن الحجاج، وسلامتهم خلال موسم حج كل عام؛ من أجل استباق ما يعرف بـ» مسيرات البراءة من المشركين «، التي يسعى الحجاج الغوغائيون إلى تنظيمها خلال موسم الحج، إذ لم يُعهد على مدى التاريخ الإسلامي، أن وُظف الحج برفع شعارات سياسية، كالبراءة من المشركين على سبيل المثال، وهو ما تقوم به إيران -مع الأسف- من استغلال لمناسك الحج.
إن كل عبث بهذه الفريضة، عن طريق القيام بأعمال لم ترد في مناسك الحج، -سواء- لأغراض سياسية، أو لأهداف أخرى، يُعد خطأً جسيماً. وأذكر أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي أصدر بيانا، لفت -من خلاله- إلى أن الغاية من التحذير، والنهي عن الفسوق، والجدال، هي تعظيم شعائر الله، وحرماته، والوقوف عند حدوده، والحرص على توفير الجو الآمن في المشاعر المقدسة. ومن توحيد الله عز وجل، وتعظيمه، وتعظيم شعائره: عدم مزج أعمال الحج المشروعة بغيرها، واستغلاله بما ليس منه، فكل هذا عبث، ودفع للحجاج إلى أعمال، وأفعال لم ترد في كتاب الله -عز وجل-، ولا نقلت عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعلها سلف هذه الأمة من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من بعدهم، وإنما هي بدع منكرة مضلة، تبطن الإساءة إلى أمن الحرم، وأمن الحج، والحجاج، وتصرفهم عن أداء المناسك في أمن، وطمأنينة، وتعكر صفو الحج، وتصرفه عما شرع من أجله، وتجعله بعيدا كل البعد عن قدسيته، وروحانيته، وتزعج ضيوف الرحمن الذي قطعوا المسافات؛ ليذكروا اسم الله في أيام معلومات، وتشوش عليهم.
إن حرص هذه البلاد على راحة ضيوف الرحمن، وتحقيق كل وسائل الراحة، والأمان لهم، واعتبار خدمتهم وسام شرف على صدرها، يستدعي منع المظاهرات السياسية، والشعارات الجاهلية، كونها تعكر صفو الحج، وتخلق حالة من الفوضى، وهو ما يُعتبر بلا شك إساءة، واستغلال، وإفساد، وتعدٍ، يتنافى مع قول الله -تعالى-: « فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».
بقي أن أقول: إذا كانت مسيرات البراءة من المشركين تُقام؛ من أجل مصالح سياسية إيرانية، لا علاقة لها بالحج، فلماذا لا تقوم بها إيران في مدنها المقدسة، كـ»قم، والنجف، وكربلاء»، -لاسيما- وأن روايات عديدة في المذهب الفارسي، تُؤكد على قدسية تلك الأماكن، منها ما جاء في بحار الأنوار «101 / 33»، وفيه: «لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته، وبفضل قبره؛ لتركتم الحجّ رأسًا، وما حجّ منكم أحد، ويحك ! أما علمت أنّ الله اتّخذ كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا، قبل أن يتّخذ مكّة حرمًا». وتفصّل لنا رواية أخرى هذا الأجر العظيم في فروع الكافي «1 / 324 « فتنصّ على: «من أتى قبر الحسين عارفًا بحقّه في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجّة، وعشرين عمرة -مبرورات مقبولات-.. ومن أتاه في يوم عيد، كتب الله له مائة حجّة، ومائة عمرة.. ومن أتاه يوم عرفة عارفًا بحقّه، كتب الله له ألف حجّة، وألف عمرة -مبرورات متقبّلات-، وألف غزوة مع نبي مرسل، أو إمام عادل». وهذا الفضل لكربلاء قديم جداً، كما تزعم الرواية الثالثة في بحار الأنوار «101 / 33»، وفيه: « اتّخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا، قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها، وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة، وأفضل منزل، ومسكن يسكن فيه أولياءه في الجنّة».